المساحة الإخبارية

هل تكون ترانزيستورات أنابيب الكربون النانوية هي البديل المثالي عن الدارات السليكونية؟

فريق في جامعة ستانفورد قام بصنع ترانزستورات من أنابيب الكربون النانوية بكثافة تيار عالية، مُحطّمة الأرقام القياسيّة وقام بتكديسها لصنع دارات ثلاثية الأبعاد.

HRoriginal-1421699315873
يظهر في الصورة ترانزيستور من الأنابيب النانوية الكربونية وخلايا الذاكرة وترانزيستور سيلكوني وفق عدة طبقات مُختلفة في الدارة المتكاملة المتجانسة.

لا يهدأ المجال البحثي المتعلق بإيجاد حلول بديلة وفعالة للمشاكل التي تعاني منها الحواسيب الحالية، فقد أصبح من الواضح أن الحواسيب ستصل لحدودها القصوى من حيث قدرة المعالجة الحاسوبية، ويبدو أن قانون مور سيصل لمرحلةٍ ما لن يستطيع بعدها التقنيين أن يحققوه، فالتقنيات الحالية لن تكون قادرة على زيادة عدد الترانزيستورات على شرائح الدارات المتكاملة، وبالتالي فإن القدرة الحاسوبية الكلية ستصل إلى مرحلةٍ لن يصبح بالإمكان بعدها الحصول على حواسيب أقوى، طالما أن الطريقة الحالية المتبعة في بناء شرائح الحواسيب ستبقى نفسها، وهي الطريقة التي تعتمد بشكلٍ أساسي على مادة السليكون وقولبتها لتشكيل ترانزيستورات شرائح الدارات الحاسوبية والإلكترونية.

أكثر الحلول الواعدة بهذا المجال هي بما يتعلق بالتقانة النانوية، فقد قدمت الاكتشافات الحاصلة ببنية المادة على الأبعاد النانوية حلولاً متنوعة، وفتحت آفاقاً جديدة قد تسمح للعلماء والباحثين والتقنيين بأن يحصلوا على تقنياتٍ جديدة من أجل صناعة شرائح الدارات الحاسوبية، بحيث يمكن معها زيادة قدرة الدارات الحاسوبية، ولعل الأبحاث المتعلقة بأنابيب الكربون النانوية هي من الأشهر والأكثر أملاً بهذا الاتجاه.

أعلن فريق من جامعة ستانفورد عام 2013،  عن نجاحه بترتيب مصفوفات من الاسطوانات الصغيرة جداً والتي يبلغ سماكتها ذرو واحدة، وذلك بهدف صنع آلة جديدة كلياً: أول حاسوب في العالم مَصنوع من أنابيب الكربون النانوية. وبتردد سرعة 1 كيلوهرتز وبأقل من 200 ترانزستور، لم يبدو أن هذا الحاسوب يمتلك أي فرصة كي يكون بديلاً للحواسيب الحالية المعتمدة على الشرائح السليكونية.

اليوم، فإن الفجوة بين السيليكون والأنابيب النانوية بدأت بالتقلّص. وفي ورقتين بحثيتين قُدّمتا في اجتماع IEEE العالمي حول الأجهزة الإلكترونية في كانون الأوّل من العام الفائت في مدينة سان فرانسيسكو، أظهر الفريق نفسه أنّ بإمكانه صنع ترانزيستورات من أنابيب الكربون النانوية بكثافة تيّار وخصائص أخرى تستطيع أن تنافس ترانزيستورات السيليكون ذات الحجم نفسه. الطالب المُتخرّج Max Sulaker أعلن أنّ الفريق نجح أيضاً بصنع ترانزيستورات من أنابيب الكربون النانوية بشكلٍ مباشر وعلى سطح الدارات السيليكونية.

“أصبح لدينا الآن هذه الأنابيب النانوية والتي تكافئ السليكون الاعتيادي”. كما يقول Philip Wong الّذي قاد العمل تحت إشراف Subhasish Mitra، ويتابع كلامه :”أصبح بإمكاننا التّفكير ببناء أنظمةٍ عالية الأداء”.

أنابيب الكربون النانوية عبارة عن بنى ثلاثية الأبعاد – بخلاف قريبه ثنائي البعد “الغرافين” – وبإمكان أنابيب الكربون النانوية أن تكون نصف ناقلة بشكلٍ طبيعي، ولطالما اتجهت الأنظار نحوها لتكون المادّة التي يمكن عبرها تشكيل مفاتيح فتح/إغلاق ذات سرعة عالية جداً، وذات كفاءة ممتازة باستخدام الطاقة، وذلك من أجل استبدل الترانزيستورات السليكونية الحالية التي ترتكز عليها الصناعة الحاسوبية.

أنابيب-الكربون-النانوية-4electron
شكل تخيلي لأنابيب الكربون النانوية، حيث تتصل ذرات الكربون مع بعضها البعض ضمن بنى سداسية (Hexashape)، وتشكل أنبوباً اسطوانياً مفتوح الطرفين.

من الناحية العملية، فإنّ عمليّة تصنيع عدد كافي من أنابيب الكربون النانوية التي باستطاعتها تحمّل حجم لا بأس به من التيار، قد أثبتت أنّها عملية شاقة. صناعة أنابيب الكربون النانوية من خليط من المعادن الفلزّية وأشكالٍ شبه مُوصلة (نصف ناقلة) – والذي هو أمرٌ غير مرغوب فيه –  بالإضافة إلى أن عدد أنابيب الكربون النانوية التي يجب صنعها، لابدّ أن تكون موحّدة تماماً بين ترانزيستور لآخر للحصول على الطاقة وفوائد بالأداء.

في العمل السابق، نجح الفريق بحل مشكلة صناعة الأنابيب النانوية بدءاً من المعادن الفلزيّة، وذلك عبر تصميم دارات بإمكانها أن تبخير الأنابيب المَعدنية تاركةً فقط الأنابيب نصف الناقلة. والآن قاموا بصقل عمليّة التّصنيع لزيادة كثافة أنابيب الكربون النانوية مع الحفاظ على مستوى التوحيد.

عملية التصنيع بدأت مع الكوارتز، والتي تنمو فيها أنابيب الكربون النانونة. يتم ترسيب طبقة من الذّهب على السطح ومن ثمّ تُقشّر باستخدام شريط حراري، آخذةً الأنابيب الكربونية معها. بعد ذلك يتم تحويل الأنابيب النانوية إلى سطح الهدف حيث يخف من الشريط الحراري وينزع الذهب كيميائياً تاركاً مصفوفة من الأنابيب النانونة الكربونية المُتوازية على السطح.

أول عملية تحويل كانت بحوالي ثمانية أنابيب نانونية في الميكرومتر الواحد، حيث تقاس عموديّاً باتجاه تدفّق التيّار عبر الأجهزة. ولكن في العمل الأخير أطهر الفريق أنّ بإمكانه تكرار عمليّة الترسيب أكثر من اثني عشر مرّة عن طريق وضع بوليمر شبه غُروي قبل كل عمليّة ترسيب للأنابيب النانوية الكربونية. يَمنع البولومير الأنابيب النانوية من الالتصاق ببعضها وتكوين أشكال فوضية تُشبه معكرونة السباكيتي عند التعرّض للسائل الذي يزيل الذّهب ويساعد أيضاً على جعل السّطح سلس لتوضّع الطّبقة التالية من الأنابيب النانوية.

بهذه العمليّة، استطاع الفريق الوصول لكثافةٍ وسطية تبلغ حوالي 100 أنبوب نانوي كربوني في الميكرومتر الواحد، وهكذا استطاعوا الوصول لكثافة تيّار تقارب 122 ميكروأمبير لكل ميكرومتر.

هذه ليست أعلى كثافة أنابيب نانونية تمّ الوصول إليها أو أعلى كثافة تيار تمّ الوصول إليها، ففي عام 2013 أعلن فريق من IBM أنّ تعليق الأنابيب الكربونية في الزيت يُمكن أن يستخدم لإنتاج أكثر من 500 أنبوب نانوي في الميكرومتر وكثافة تيّار مُشابهة.

ولكن في تجربة شركة IBM كان هنالك أنابيب كربونية مَعدنية في الخليط والتي قامت بنقل التيار حتى عندما يُفترض أن يكون مفصولاً وهذا ما ساهم ربّما بانخفاض نسبة تيار الوصل إلى تيّار القطع والتي وصلت بأقصر ترانزستورات IBM إلى 600 إلى 1 بتقديرات Shulaker. بينما نسبة فريق ستانفورد وصلت إلى 6000 (التّصميم الافتراضي حوالي 10000 في أجهزة الـCMOS  المُستخدمة في الأجهزة الذّكيّة).

لإثبات أنّه من الممكن مقارنتها مع السيليكون قام فريق ستانفورد باستخدام استراتيجية التّحويل لإنشاء دارة مُتكاملة ثلاثية الأبعاد ومُتجانسة. هذه الدّارة المُتكاملة مصنوعة دفعةً واحدة على ركيزة وحيدة من السيليكون عن طريق بناء طبقات الأجهزة فوق بعضها البعض مع أسلاك معدنية كثيفة تربط بينها.

قام الفريق أيضا ببناء مُبدّل متصالب Crossbar Switch- وهي دارة يمكن استخدامها لوصل المداخل والمخارج المُختلفة – خارج طبقة السيليكون، طبقتان من الذاكرة العشوائية المقاومة ومن ثمّ طبقة من ترانزستورات الأنابيب النانوية. استطاعوا أن يبنوا تجميعة من الدّارات دون رفع درجة الحرارة فوق 400 درجة مئوية، والتي يمكن أن تؤذي الترانزيستور.

“هؤلاء الأشخاص هم الأفضل في التكديس”. يقول Sung Kyu Lim الذي عمل على تصميم الدارة المتكاملة والمتجانسة ثلاثية الأبعاد في جامعة جورجيا. على الرّغم من أن الباحثين في جامعة CEA-Leti في فرنسا قاموا بتكديس داراتٍ منطقية فوق دارات منطقية إلا أنّ Lim يقول أنها أول مرّة يرى فيها هذا الأسلوب المتماسك في تكديس الذاكرة والدارات المنطقية. “إنّهم أوّل من يبيّنوا علميّاً أنّ هذا ممكن” كما يقول. هذا الجمع بين المنطق والذاكرة يمكن أن يقلل كثيراً من الوقت والطاقة اللازمين لنقل المَعلومات داخل الحاسب.

ولكن إنتاج دارات متكاملة من الأنابيب النانوية قد يكون مازال بعيد المنال. القنوات الحاملة للتيار في ترانزيستورات فريق ستانفورد بطول 400 نانومتر وهي أكبر بحوالي عشر مرّات من الأجهزة الحالية. “تُريد أن يُصبح الجهاز أصغر والدّارات أكبر” كما يقول Lim.

الخُطوة القادمة هي بناء دارة أسرع بقنوات ترانزستوريه أقصر، كما يقول Wong. ولابدّ أن يكون هذا ممكناً، حيث أن أعمال IBM السابقة صنعت ترانزستورات من أنابيب الكربون النانوية بقنواتٍ أقصر من 10 نانومتر، ولكن يقول Wong أنّه لا يزال هنالك عقبات يجب التغلّب عليها على طريق الدّارات عالية الأداء. أول هذه العقبات بالنسبة له هي المُوصلات المعدنية التي توصل إلى الأنابيب النانوية الكربونية والتي كما الموصلات في الأجهزة الأخرى تزداد مقاومتها كلّما صغرت ومع هذا لا يزال يأمل بـ “الحصول على تقنية تستطيع أن تنافس السيليكون بطريقةٍ أكاديمية ستكون مثيرة بشكل كبير”.

المصدر : IEEE Spectrum

Mhd Jafar Mourtada

طالب هندسة طبية في جامعة دمشق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى