قضايا علمية وهندسية

يوم بدون علم

0_ASTRA1_Fleet_M

يظهر من فترةٍ لأخرى من يدّعي أن ما تجلبه العلوم ليس إلّا سلبيات تؤثر على حياتنا بصورةٍ سيئة، بل هناك من يقول أنه لا يتوجب علينا دعم هؤلاء العلماء “المجانين” الذين لا هم لهم سوى اختراع آلات وأجهزة هدفها جلب الموت والدمار.

ومن وقتٍ لآخر، نسمع البعض يقول أن الحياة في الماضي كانت أفضل وأكثر هدوءاً وأكثر سلماً وراحة.
وأخيرأ، ما أكثر الأشخاص الذين لا يفوّتون أية فرصة ليقولوا أنهم يتمنون العودة الى الحياة البدائية القديمة في الأرياف والابتعاد عن كل هذه الشرور التي جلبها العلم والعلماء إلى عالمنا. إذا كنت واحدأ ممن يحملون أحد هذه الآراء، فلنتوقف قليلاً معك لنجرب أن نُمضي يوماً واحداً بدون ما قدَّمه لنا العلم.

تستيقظ في الصباح، لن تتمكن أبدأ من معرفة الوقت لأن كل الساعات الميكانيكية وتلك التي تعمل بالبطاريات أو بالكهرباء (وحتّى الساعة الرملية) هي نتاج لاكتشافاتٍ علمية متتالية أدت لظهور هذه الآلات والسماح لها بالعمل. لهذا سيكون الوقت عبارة عن لُغز كبير بالنسبة لك طوال اليوم، وبأفضل الأحوال سيكون بمقدورك تقدير فترات اليوم كالصباح والظهيرة والمساء والليل.

تنهض من سريرك، إذا كانت النافذة مُغلقة، فستسبح في ظلام غرفك لأن الإضاءة الكهربائية هي اختراع علمي قام به شخص يدعى توماس إديسون. لا تحاول التفكير في استخدام فانوس يعتمد على أيّ نوع من مشتقات البترول، فكُل هذه المشتقات ما هي إلا احدى منتجات البحث العلمي.

ثم ماذا؟ تريد تنظيف أسنانك؟ هل نسيت أنَّ معجون الأسنان يحتوي على العديد من المُركبات الكيميائية التي لم نكن حتى نتخيل وجودها قبل أن تمكن العلماء من اكتشافها وابتكار طرق استغلالها؟ ستضطر إذاً أن تنظف أسنانك بالماء فقط. ماذا تريد أيضاً، الذهاب لقضاء حاجتك؟ حسناً، ابحث عن نقطة تسترها الأشجار؛ فكل ما يوجد في حمامك هو نتاج الدراسات والبحوث العلمية. فلنتمنى ألا تكون بحاجة لاستعمال النظارات؛ لأن النظارات المُحسّنة للنظر هي أيضاً نتاج علم يسمى البصريات.

تريد تحضير الفطور؟ إذاً حضِّر لنفسك فرناً يعتمد في عمله على الحطب، لأن الغاز والكهرباء أيضاً من “المصائب” التي جلبها لنا العلماء المجانين. بعد الفطور تُقرر التوجه لعملك. ماذا ستختار كوسيلة مواصلات؟ الحمار أم الحصان أم البغل؟ لا يتوجب علينا تذكيرك بأن كل وسائل المواصلات (سيارات، باصات، مترو الأنفاق وغيرها) هي نتاج تطور علمي قدمه لنا مجموعة من الأشرار الذين نسميهم مهندسي الميكانيك. وصلت إلى العمل وتريد إرسال معلومات هامة. تنظر حولك ولا تجد أي هاتف أو فاكس أو كمبيوتر أو آلة طابعة أو آلات حاسبة. هل ستستعمل الحمام الزاجل لإيصال الرسائل التي يتوجب عليك تحضيرها وإرسالها بما تتطلبه طبيعة عملك؟

إذا كان الجو حاراً فستتعرق طوال اليوم دون توقف، فلا وجود لمكيفات الهواء، ولا يمكنك القول “حسناً، سأستعمل مزيل رائحة العرق” لأنه أيضا نتاج بحث علمي كيميائي. نتيجة لتعرقك طوال اليوم ستكون رائحتك كريهة كرائحة الظربان.

ينتهي يوم العمل وتعود إلى بيتك. تريد أن ترتاح قليلا وأن تحصل على بعض الترفيه. انسَ تماماً التلفزيون والراديو والفيديو والـ DVD وحتى الأجهزة اللوحية الذكية ومنصات تشغيل الألعاب مثل Xbox أو PlayStation، ما الذي يتبقى لك؟

لا حاجة للقول أن أية اصابة أو توعك صحي بسيط تتعرض له خلال هذا اليوم ستكون له عواقب وخيمة جداً. لا تستغرب من كلامنا أبداً، فبدون العلوم الطبية والصيدلانية والتكنولوجيا المسخرة في سبيلها لن يكون هنالك أية أدوية أو صيدليات أو حتى مستشفيات أو عيادات.

بعد كل ما سبق، هل لا زلت تعتقد أنه لا حاجة لنا بالعلم أو دعم البحث العلمي؟

قد تقول لنا الآن: وماذا عن القنابل وأسلحة الدمار الشامل والتقنيات العسكرية التي لا تساهم سوى بمزيد من الدمار والقتل؟ هنا سنسرد لك القصة التالية: قام آلفرد نوبل باختراع الديناميت كوسيلة فعالة من أجل تفجير كتل الصخور لزيادة فعالية عمليات التنقيب في المناجم. آلفريد نوبل لم يقم باختراع وسيلة “قتل” أو “دمار”. وكنوع من الاعتذار للبشرية عن الاختراع الذي قام بتطويره وشكل وسيلةً أساسية للقتل والدمار، قام باقتراح جائزة سنوية تعطى للمبدعين والمتفوقين في العلم ممن ساهموا بتقديم اكتشافات واختراعات تحسن من نوعية حياة البشر.

هل تعلم ماذا قال آينشتاين عندما تم إلقاء القنبلة الذرية فوق مدينة هيروشيما اليابانية؟ قال بالحرف :”لو علمت مسبقاً أن هذا ما سيحدث، لعملت بتنظيف الأحذية”. وهو يقصد سوء استغلال معادلة النسبية الخاصة الشهيرة التي اكتشفها، والتي سمحت فيما بعد بتطوير القنابل الذرية.

هل فهمت القصد من وراء هذه القصص؟ ما نحاول قوله هو أن العلم قد يحمل ببعض جوانبه آثاراً سيئة، ولكن هذا ليس لأن العلم نفسه سيء، بل بسبب سوء استغلال هذه المكتشفات والاختراعات لأغراض دنيئة.

بكل الأحوال، وبعد هذا العرض المطول، يبقى الأمر متروك لك، ولخيالك، وكنتيجة يمكننا أن نقول لك: لولا العلم الذي تقول أنه “جلب الدمار” فإن كافة المميزات والتسهيلات التي تتمتع بها اليوم، لم يكن بالإمكان أن تكون موجودة قط.

الأمر متروك لك!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى