علوم الحاسب

الحوسبة بعد قانون مور: أهم 4 بدائل تقنية عن الصناعة الحاسوبية التقليدية

تتحضر الصناعة التقنية الإلكترونية لمرحلة ما بعد قانون مور ولأجل ذلك يسعى الجميع لإيجاد بدائل فعالة لطرق التصنيع الحالية

قانون مور: هل وصلت تقنيات التصنيع لحدودها القصوى؟

في مثل هذا الشهر منذ خمسين سنة قام جوردون مور بنشر الورقة البحثية التاريخية التي تحمل عنوان “حشر عناصر أكثر في الدارات المُتكاملة Cramming More Components onto Integrated Circuits”. تُمثل هذه الورقة الصيغة الأولية لمبدأ قد تحوّل بعد مراجعةٍ صغيرةٍ، إلى قانون مور الشهير: كلّ سنتين سيتضاعف عدد الترانزيستورات على الشريحة الحاسوبية.

وكما يعلمُ أيَّ شخص مهتم بمجال الحوسبة، يُعتبر قانون مور مسؤولاً عن عصر المعلومات Information Age. “الدارات المُتكاملة تجعل الحواسيب تعمل.” كما يكتب John Pavlus في مجلة Scientific American. “لكن قانون مور يجعل الحواسيب تتطور”. وكان العديد من الناس يتوقعون نهاية قانون مور منذ عُقود ولكن لطالما وجد المهندسون طريقةً للحفاظ على وتيرة التّقدم بشكل دوريّ. إلا أن المُهندسين على الأرجح سيُواجهون صعوباتٍ لا يُمكن التّغلب عليها. “منذ عام 2000 وجد المهندسون طريقةً ما للالتفاف حول تلك العقبات.” كما يقول Pulvis، ويتابع :”لكن تلك الطرق لن تُغير من حقيقة أن التحجيم السيلكوني لن يصمد أكثر من عقد.”

يجب أن نعلم أمراً هاماً: تعتمد صناعة المعالجات الحاسوبية والدارات الإلكترونية المتكاملة في الوقت الحالي على السليكون كمادةٍ خام في الصناعة. المشكلة الأساسية أن تقنيات التصنيع الحالية لم تعد قادرة على تضمين المزيد من الترانزيستورات على الشريحة من أجل زيادة القدرة الحاسوبية الإجمالية. وكي نكون دقيقين، فإن التقنيات الحالية لم تصل بعد إلى مرحلة “العجز” الكلي، بل لا يزال هنالك أمامنا حوالي 10 سنوات من التطوير المستمر وتزايد قدرة المعالجات الحاسوبية، ولكن إن لم يحدث أي تغييرّ جذري قبل هذا الموعد النهائي، فإن المعالجات الحاسوبية قد تتوقف عن التطور، وقد نصل للحد الأعلى من القدرة الحاسوبية الإجمالية. هذا يعني نهاية قانون مور، وتوقف تطور المعالجات، وتوقف تزايد سرعتها وقدراتها.

ومع اقتراب الموعد النّهائي حسب القانون، يَبذل مُصنعوا الشرائح مليارات الدولارات لدراسة وتطوير تقنيات حوسبة حديثة. وفي هذا المقال سنطلع على أهم الأبحاث والتّطورات الحاصلة بهذا الخصوص، أي كيفية تطوير تقنيات تصنيع يمكن عبرها الاستمرار بتطبيق قانون مور، والاستمرار بمضاعفة عدد الترانزيستورات على الشرائح الحاسوبية. على الرّغم من استحالة معرفة ما هي التقنيات التي ستكون خليفة للسيلكون، إلا أنه يوجد سببٌ مُقنع للوصول إلى أن الحل هو عبارة عن دمج مجموعة من التقنيات وليس تقنية واحدة سابقة، وسوف نطلع على التّقنيات المُتنافسة.

من المهم أيضاً أن نعلم بعض القضايا الأخرى: عند الحديث عن بديلٍ تقنيّ عن السليكون، فإن العامل الأساسي ليس فقط إمكانية صناعة الترانزيستورات أو تضمينها في شرائح حاسوبية. يجب أيضاً أن ننظر للكلفة، وإمكانية التصنيع على نطاقٍ واسع – أو ما يعرف بـ Mass Production – والمواضيع الحساسة المتعلقة بكفاءة استهلاك الطاقة. وبالتالي، لا يكفي أن نقوم بتعداد البدائل وذكر ميزاتها وإيجابياتها، بل يجب أيضاً أن نعرف سلبياتها وإمكانية أن تحل محل السليكون، بأفضل أداء، وأقل كلفة. هذا باختصار، جوهر التصميم والتصنيع الهندسي.

الجرافين Graphene

أحد أبرز الخطوات التي قد يتّبعها مُصنّعو شرائح السيلكون الحاسوبية تكمن في التّخلص من السيلكون بالمُجمل. لا يبدو أنه من الممكن حصول هذه الخطوة في أي وقتٍ قريب إلا أن شركة آي بي إم IBM أعلنت السنة الماضية عن صرفها 3$ مليار للبحث عن بديل. والبديل الأوضح هو بالطبع مادة الجرافين الكربونية، وهي عبارة عن شرائح ثنائية البعد وبسماكة ذرة واحدة من ذرات الكربون المرتبطة مع بعضها البعض ضمن بنى سداسية الشكل (خلية النحل).

152F4E4B-486C-4B69-87DC941D6D47D1CC

“كالسيلكون، يحوي الجرافين على خصائص إلكترونية مُفيدة للمُحافظة على حالة الاستقرار ضمن مجالٍ واسع من درجات الحرارة، علاوةً على أن الإلكترونات تقوم باختراقها بسرعات نسبية. والأهم من كل ذلك أنه من الممكن تحجيمها، ذلك على الأقل في المخابر. إذا تم صُنع ترانزيستوات من الغرافين، فإنها ستستطيع العمل بسُرعاتٍ أسرع بمئات بل حتى آلاف المرات من جهاز نخبويّ مصنوع من السيلكون، وبكثافة طاقة معقولة، وحتى سيتم تصنيعها تحت عتبة الـ 5 نانو متر التي يتّحول بعدها السيلكون إلى كم”. يكتب Pulvis. لكن يوجد مشكلة واضحة في الغرافين وهي عدم وجود فجوة نطاق Band Gap – وهي الخاصة الكمومية التي تسمح بعملية تحويل الترانزيستور بين حالتي عمل ON وإيقاف عمل OFF.

أنابيب الكربون النانوية Carbon Nanotubes

قمُ بلفّ ورقة وحيدة الجُزيئة من الكربون في أسطوانة وستتحسن الحالة: ستحصل على أنبوب كربون بأبعادٍ من رتبة النانومتر، وهو يتضمن فجوة حزمة Band Gap مثالية للعمل ضمن تطبيقات أنصاف النواقل والدارات المتكاملة.

img01
شكل تخيلي لبنية أنابيب الكربون النانوية

ولكن وجد Pulvis أنه حتى الباحثن المسؤولين عن تطوير أنابيب الكربون النانوية لتشكيل أساس للحوسبة كان لديهم بعض الشكوك. “لدى أنابيب الكربون النانوية هيكلية حساسة. إذا تغيّر قُطر الأنبوب النانوي أو ما يسمى “Chiralty”، الزاوية التي يتم لفّ جزيئات الكربون بها، بمدى صغير جداً، قد تختفي الفجوة الحزمية الخاصة بها، مما يجعلها بلا جدوى كعنصر في دارة رقمية. وعلى المُهندسين كذلك وضع مليارات الأنابيب النانوية في صفوفٍ مُرتبة تبعد عن بعضها بضع نانومترات، باستخدام التقنية نفسها التي تستخدمها الصناعات السيلكونية اليوم.”

الممريستورات Memristors

تطور شركة إتش بي Hewlett-Packard HP شرائح تعتمد على عنصر إلكتروني جديد ومُختلف كلياً عن السابق: الممريستور. تم التنبؤ بها عام 1971 إلا أنه لم يتم تطويرها حتى عام 2008، يأتي مصطلح “Memristor” مركباً من الكلمتين “الذاكرة Memory” و”المقاومة Resistor”، حيث تمتلك هذه العناصر القُدرة الغريبة على “تذكّر” كمية التيار التي عبرت خلالها سابقاً.

hp.machinex299
بدأت شركة IBM منذ عام 2008 بتصنيع شرائح ودارات تعتمد على عنصر “الممريستور” بدلاً من “الترانزيستور”.

وكما يفسر Pulvis، تسمح الممريستورات بالدمج بين وحدات التخزين وذاكرة الوصول العشوائية. “التشبيه المشهور الذي يقارن وحدة المعالجة المركزية CPU بدماغ الحاسوب قد يصبح أدق مع الممريستورات بدلاً من التّرانزيستورات لأن السابقة تعمل فعلياً أكثر كالخلايا العصبية، تُرسل وتُرمز المعلومات كما تقوم بتخزينها أيضاً،” يكتب Pulvis.

الحواسيب المعرفية – الإدراكية Cognitive Computers

لصناعة شرائح “بذكاء ذبابة المنزل” على الأقل، يبحث الباحثون في مجموعة الحوسبة المَعرفية في آي بي إم IBM عن مُعالجاتٍ تتخلص من الآلات الحاسبة مثل معمارية فون نيومان. وعلى العكس، كما يشرح Pulvis، تقوم “بتقليد الأعمدة القشرية في دماغ الثدييات، مما يعالج، أي يرسل ويخزن المعلومات في نفس الهيكلية، دون الحاجة إلى الأخذ بعين الاعتبار الحالات التي قد تُبطئ المعالجة كما في الحواسيب التقليدية.”

E5EC4DA5-CFEA-440C-971C55AD2C817EE5
أحد شرائح “الحوسبة الإدراكية” التي تم تصميمها في شركة IBM

النتيجة التي تم الحصول عليها هي شريحة TrueNorth من IBM، التي يتواجد فيها 5 مليارات ترانزيستور لمُحاكاة مليون خلية عصبية موصولة بـ 256 مليون وصلة مشبكية. “الأمر الذي تحصل عليه من هذه التركيبات هو أداء لمُطابقة أنماط في الزمن الحقيقي باستخدام نفس كمية الطاقة التي يستخدمها مؤشر الليزر.”

المصدر: [Scientific American]

للمزيد من المقالات حول البدائل المحتملة للصناعة الحاسوبية:

Michel Aractingi

طالب هندسة كهرباء في جامعة البلمند

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى