علوم الطاقة

ثلاث مخططات قد تحدث ثورة في الطاقة النووية

هناك أكثر من تصميمٍ للمفاعلات النوويّة، إلّا أنّه من الصعب معرفتها جميعاً بحكم الازدياد السريع في عمر عمل مفاعلات الماء الخفيف Light Water Reactors حول العالم. لعدّة عقود، تواجدت العديد من النماذج لأنواعٍ أفضل من المفاعلات قيد التطوير أو التي في المرحلة التجريبيّة. اليوم، تقترح العديد من الشركات الصغيرة أنّ أفضل طريقةٍ لتسويق تلك التطويرات هي بتحويل الطاقة النوويّة إلى مجال الطاقات الموزّعة.

(يمكنك الإطلاع على مقالنا: مقدمة في الطاقة النووية والمفاعلات النووية)

مفاعلات الماء الخفيف Light Water Reactors

يُقصد بالماء الخفيف الماء العادي وهذه المفاعلات تستخدم المياه الخفيفة كوسيطٍ لإبطاء عملية دمج النيترونات وذلك للمحافظة على “التفاعل المتسلسل Chain Reaction” كما تستخدمها كالمادة المبردة أيضاً أي إزالة الحرارة لتوليد البخار بغرض تحريك توربين مولد. يُشترط في استخدام مفاعلات الماء الخفيف وجود درجة تخصيب معيّنة لليورانيم، على عكس المياه الثقيلة Heavy Water التي لا تحتاج مفاعلاتها إلى يورانيم مخصّب حيث من الممكن استخدامه مباشرةً.

تتضمن أحد المشاريع فكرة إنشاء وحداتٍ مصغرةٍ من المعالجات الضخمة التي تنتج طاقةً من رتبة غيغا-واط. فبناء محطات طاقة بوحدات أصغر، تبلغ ثلث حجم المحطات الحالية أو أصغر، يجب أن يؤدي إلى تكاليف أقل ومرونة أكبر على موقع البناء والقدرة على بناء وحدات إضافية عند الحاجة.

أما باقي الأفكار فتتمحور حول التخلي عن نموذج مفاعلات الماء الخفيف. تكمن الفكرة في تحديث تصاميم المفاعلات التجريبية ودفعها خارج المخابر نحو السوق التجارية كذلك.

“إنّنا نرى ظهور مسارٍ جديدٍ من الإبداع،” يقول Richard Lester، رئيس قسم علوم الهندسة النوويّة في معهد ماساتشوستس التقاني MIT. “تدخل الشركات الناشئة إلى هذا المجال بهدف تطوير تقنياتٍ جديدة للمفاعلات، وهذا تحوّل كبير.”

على سبيل المثال، تسعى شركة Terrestrial Energy في كندا لبناء مفاعل الملح المنصهر Molten Salt Reactor، الذي تم بنائه سابقاً والعمل عليه في مخبر أوك ريدج الوطني في الستينات من القرن الماضي.

مفاعل الملح المنصهر Molten Salt Reactor

الملح المنصهر هو عبارة عن الحالة السائلة للملح في درجاتٍ مرتفعةٍ من الحرارة. في هذه المفاعلات يُستخدم الملح المنصهر كالمادّة المبردة.

في مفاعل الماء الخفيف، تُغطس قضبان اليورانيوم في الماء. فيولّد التفاعل النووي لليورانيوم الحرارة، وتدور المياه الساخنة باستمرار عبر النواة لإنتاج البخار وتدوير التوربين. أما في مفاعل شركة Terrestrial Energy، يذوب وقود اليورانيوم المخصب بدرجة خفيفة في الملح المصهور وبمساعدة المضخات والمبادلات الحرارية، تنتج حرارة حمام الوقود والملح المصهور البخار لتوليد الكهرباء. يستطيع مفاعل الملح المنصهر استخدام قسمٍ أكبر من الطاقة المتوفرة في الوقود ويُعتبر أكثر أماناً  من المفاعلات التي تعتمد على الماء للتبريد، كما ذكرت الشركة. أما في حال خسارة الطاقة، فتتبدد الحرارة من المفاعل وتتحرك باتجاه حمل الحرارة من النواة على القشرة الخارجية المتشكّلة من الملح الصلب، مما يولّد الحاجة إلى مضخاتٍ لتبريدها وإيقاف ذوبانها، كما ذكر المدير التنفيذي للشركة، Simon Irish.

04OLNewsNuclear-1426708838608
فرن للسوائل: في المفاعل البديل من شركة Terrestrial Energy، يتم إذابة اليورانيوم في الملح المنصهر ضمن أساس المفاعل. تقوم مبادلات الحرارة بتحريك الطاقة لخارج الأساس مرتفع الحرارة لتحريك توربين، إذا تم خسارة الطاقة للمضخات تتبدد الحرارة سلباً إلى طبقة عازلة صلبة من الملح.

تسير خطة شركة Terrestrial Energy بطريقةٍ غير معهودة. فبدلاً من استهلاك الأموال لبناء محطاتٍ للطاقة فقط، تعتقد إدارة الشركة أنها تستطيع البدء بشكلٍ تسويقيّ في السوق المتخصّصة، الذي يتضمن عدداً من المواقع التي تعتمد على مولد الديزل للكهرباء، كالعديد من المناطق النائية في كندا والدول الجزرية. يستطيع المفاعل إنتاج الكهرباء والحرارة المرتفعة، وهذا مفيدٌ في العديد من المواقع الصناعية، كما قال Irish.

ستكون الوحدة الأساسيّة صغيرةٌ بشكلٍ كافٍ لتتسع على شاحنةٍ أو سيارة نقلٍ لتسهيل تركيبها. كما سيغلق المفاعل، الذي قد تصل قدرة توليده للكهرباء إلى 32.5 ميغا-واط، وذلك ليتمكن من العمل لمدّة 7 سنواتٍ قبل أن يتمّ الاستغناء عنه. تخطط الشركة للبدء بحملة ترخيصٍ في كندا في وقتٍ لاحقٍ من هذه السنة وتأمين مخططات التصاميم لتصبح جاهزةً بحلول سنة 2016.

“في خطّ الحدود بين المختبرات – حيث نعلم أنها تعمل – والسوق، يجب أن تحصل على خصائص معينةٍ، وهي بشكل أساسيّ بساطة العمليّة وحالات الأمان لإظهارها للمنظّم بهدف الحصول على ترخيص عمل،” يقول Irish. “هذا هو جوهر ابتكارنا.”

تهدف بعض الشركات لصنع مفاعلاتٍ أصغر لتوزيع الطاقة. فقد ينتج المولد النووي من شركة UPower Technologies بين 1 و2.5 ميغا-واط من مفاعلٍ بحجم عربة شحن. يتواجد في الوعاء الأساسي كتلةٌ معدنيةٌ مع وقودٍ نوويٍّ في الأسفل، وأوعيةٌ مملوءةٌ قليلاً بالسوائل، والتي تتّسع في الكتلة وستنقل الحرارة بعيداً عن مجرى الحرارة، بدلاً من ضخّ الماء إلى النواة. وكخطوةٍ أولى للحصول على ترخيص، تقوم شركة UPower بتصميم عدة اختباراتٍ لأنظمة إزالة الحرارة.

تسعى شركة StarCore Nuclear لبناء مفاعل غاز تجاريّ عالي الحرارة، كبديلٍ عن “مفاعل الحصاة Pebble-Bed Reactor”، حيث يُبرد عبر الهيليوم، وقد صُمّم وطوّر في ألمانيا في الستينات من القرن الماضي. يخزّن الوقود في أحجارٍ صغيرةٍ بحجم كرات التنس والتي تقوم بتوليد الحرارة، وتُنقل عبر الهيليوم. ذلك لأنها تعمل على الحرارة العالية، وقد يتميّز التصميم بكفاءةٍ أعلى عند توليد الكهرباء، حيث يستطيع المفاعل تبريد نفسه عبر الدوران الطبيعي في حالة طوارئ أو خسارةٍ في الطاقة، كما يقول مدير الشركة.

تتطلب خطة StarCore بناء مولّدٍ لإنتاج 10 ميغا-واط من الكهرباء والحرارة أيضاً. كشركة UPower، تستهدف الشركة مبدئياً المناطق النائية، مثل عمليات التنجيم، والتي تصرف الكثير من المال للحصول على حرارةٍ و كهرباء. تأمل الشركة ببناء وتشغيل واحدة في خمس سنوات، “في حال كنا محظوظين،” يقول المدير التنفيذي للشركة David Dabney.

يرى مؤسسو شركة  StarCore مستقبلاً حيث يوجد العديد من التقنيات النووية المختلفة، بما فيها مفاعلات تحرق الوقود النووي المستهلك اليوم. لكن للوصول إلى ذلك، يجب للطاقة النووية الحديثة أن تبدأ بشكلٍ صغير. “يوجد العديد من المفاعلات الأخرى التي توفر قدراتٍ كبيرة،” يقول الرئيس التقنيّ للشركة David Ashley Poole. “نحتاج أن نفعل ذلك، لكن المفاعلات الأولى يجب أن تكون أكثر بساطةً وأماناً لإخراجها من المختبرات إلى أرض الواقع، والحصول على القبول العام.”

سنحتاج إلى سنواتٍ قبل أن يتم ترخيص أي تقنية نووية إضافة إلى سنوات للحصول على زبائن وشركاء للاقتناع بمبدأ المحطات النووية الصغيرة. تقريباً بحلول 2020 إلى 2030 ستتوقف العديد من المحطات النووية عن العمل، كما يقول Lester. “إنها لعبة طويلة المدى، وسوف تفصل بين نجاح هؤلاء المبتكرين والمستثمرين في الحصول على شركاتٍ ضخمةٍ للعمل معها وتسويق التقنية،” يقول Lester. “بالنظر إلى البيئة، إنها مغامرةٌ منطقية.”

المصدر:IEEE Spectrum  – هنا – هنا – هنا

Michel Aractingi

طالب هندسة كهرباء في جامعة البلمند

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى