المساحة الإخباريةعلوم الالكترونيات

زراعة الذكريات في الدماغ

waves
“هدفي هو جعل حياة أولئك الذين يعانون من عجز كبير بالذاكرة أفضل. فإذا استطعت أن أقدم لهم القدرة على تذكّر أشياء جديدة ولفترة أطول وفي نصف الظروف التي يعيش بها معظم الناس، سأكون سعيداً جداً كذلك معظم المرضى سيكونون سعداء” Theodore Berger – مخترع تقنية زرع الذاكرة.

مجال الهندسة الطبية الحيوية تطوّر كثيراً في العقود الأخيرة إنها تقوم بالجمع بين عدّة مجالات هندسية لتنتج في نهاية المطاف أعضاء صناعية تحاكي نظيرتها البيولوجية. فهي تعتمد على مبادئ مختلف الاختصاصات مثل التكنولوجيا الحيوية، الطب، هندسة الميكانيك، هندسة الإلكترون، علوم الحاسب وغيرها وتطبقها على الجهاز الحيوي والذي هو جسم الإنسان. الأطراف والقلوب والكلى و شبكية العين الصنعيّة، صمامات القلب والأنسجة الاصطناعية، والخلايا الجذعية هي بعض من عجائب الهندسة الطبية الحيوية والتي تساعد على إصلاح الأضرار التي تعد غير قابلة للإصلاح.

الدماغ البشري هو أكثر عضو معقد في جسم الإنسان، أكثر تعقيداً من أي حاسوب عملاق أو معالج صغري قام الإنسان بإنتاجه. إنه يحتوي على الملايين من الخلايا العصبية المتصلة مع بعضها والمخبّأة في طيات المادة الرمادية والتي تنتج كهرباء صغيرة تقاس بالميكرو فولط لكل أمر يعالجه الدماغ من الخيارات البسيطة كماذا أتناول على الفطور اليوم؟ إلى المشاكل الكونية المعقدة، نستخدم سلطة دماغنا أيضاً لتوليد المشاعر والأفكار ولتخزينها كذكريات. ولكن كلما تقدمنا في العمر ينخفض أداء دماغنا مسببّاً بذلك مشاكل كفقدان الذاكرة أو حتى مشاكل أكثر خطورة كالخرف أو الزهايمر.

” Theodore Berger” المهندس الطبي في جامعة جنوب كالفورنيا يأمل أن يتمكن من حل هذه المشكلة عن طريق شرائح سيليكون اصطناعية تخلق الذكريات وتساعد على استرجاعها لمدة تزيد عن الدقيقة. ولكن أولا لنتعرف على طريقة عمل الذاكرة في الدماغ لنتمكن من فهم هذه التقنية.

ما آلية عمل الذاكرة؟
إحدى أهم وظائف الدماغ هو القدرة على تخزين المعلومات (الذاكرة)، لهذا بمجرد أن نتعرف على آلية عمل الذاكرة سنتمكن من البدء في تعلم كيفية تحسين أدائها. اعتقد الباحثون أنه يوجد جزء وحيد من الدماغ ينسق الوظائف الأساسية للذاكرة ولكن البحوث وجدت أن عملية حفظ الذاكرة هي أكثر تعقيداً مما ظنوا. إن وظائف تكوين، تخزين واسترجاع الذاكرة تتكون من عدة أحداث متزامنة تقوم بها مجموعات مختلفة من الأنظمة في الدماغ يمكن عدّها كشبكة من الأحداث المتربطة والمعقدة والتي تؤدي إلى تشكيل الذاكرة.
لنأخذ على سبيل المثال عملية الوقوع في الحب، العينين ترسل معلومات بصرية عبر العصب البصري عن صفات الشخص الفيزيائية (لون العينين ولون الشعر) الأنف يرسل معلومات عن رائحة عطر الشخص وتقوم الحواس السمعية بإرسال معلومات عن صوت الشخص وطريقة ضحكه أو (ضحكها).

هذه المعلومات سوف ترسل إلى جزء من الدماغ يدعى “الحصين” يقوم باتخاذ القرار فيما إذا كانت هذه المعلومات تستحق التذكر أم لا.
وبعد الموافقة على التخزين، تُخزّن في الذاكرة طويلة الأمد عن طريق توليد نبضات كهربائية بين المشابك العصبية (نقاط اتصال الجذور العصبية) فيسبب ذلك إطلاق مواد كيميائية تدعى بالناقلات العصبية (على سبيل المثال ناقل عصبي يدعى الدوبامين والذي يسبب العاطفة والسعادة) وهذا ما يعطي للذاكرة التوقيع الخاص بها.

هذه العملية يمكن أن تحدث بمليار طريقة مما يعطيها مرونة وقدرة على تغيير المسالك العصبية. هذه العملية هي ترميز الذاكرة.
استرجاع الذاكرة يعتمد على إعادة توليد نمط التوقيع (الإشارة) ليحرر نفس لنواقل العصبية وذاك يعتمد على كم كانت عمليتي التسجيل والاحتفاظ بالذاكرة جيّدتان ولكن عندما تفشل إحدى هاتان العمليتان أو كلاهما نميل إلى أن “ننسى”.
لنفترض مثلاً أنك لا تستطيع تذكر الذكرى السنوية لزواجك، أسباب الفشل قد تكون أن دماغك لم يعتبر أن لهذه الذكرى أهمية ليقوم بتسجيلها، أو أنك لم تعر انتباها كبيرا للبيانات مما أدى إلى الفشل بالاحتفاظ بها، أو ببساطة الفشل باسترداد المعلومات نظراً لحدوث عدم تطابق بين المشغلات الكيميائية والذاكرة المشفرة.

فما أسباب فقدان الذاكرة مع التقدم بالعمر؟
وجد الباحثون أن اضمحلال خلايا الحصين بمعدل 5% كل عقد من الزمن سبب انخفاض مستوى الناقل العصبي “الأستيل كولين” والذي يحفز التعلم والذاكرة.

وأيضا يوجد الأمراض العصبية كالزهايمر والسكتة الدماغية والإصابات، في الحقيقة أي شيء يؤثر على الجملة العصبية يمكن أن يقوم بإعاقة تكوين الذكريات الجديدة.

ولكن هل يجب أن ندع التقدم في العمر يمنعنا من أن نستمتع بالحياة، هل ستنسى أشياء جميلة كوقوعك في الحب أول مرة أو يوم زفافك أو حتى أشياء يجب أن تتذكرها كل يوم كمكان وضعك للمفاتيح مثلاً.

‘رقاقات’ الذاكرة:
لاحظ أن عامل السيطرة على الذاكرة هو التحكم بإطلاق النبضات الكهربائية في المشابك العصبية والتي بدورها تطلق النواقل العصبية. فإذا استطعنا استخدام متحكم صغري أو معالج صغري ليحاكي مولد هذه النبضات في الجهاز العصبي، فإنّ تكوين الذكريات يمكن أن يتم صنعيّاً. على الرغم من أنّ هذا يبو قابلاً للتنفيذ إلا أن الدماغ يحوي حوالي مئة مليار مشبك عصبي وكل منها يملك التوقيع خاص به ومختلف عن البقية، فإن البحث عن استجابة ما يشبه البحث عن إبرة في كومة قش. لا عجب إذا أن الأمر استغرق “Theodore Berger”  خمسة وثلاثمئة عام فقط ليتمكن من دراسة سلوك الخلايا العصبية في الحصين. وعلى الرغم من هذا فإن الاختبارات العصبية على الإنسان لا تزال جارية، فقد تمكن هو وفريقه من تسجيل نجاحات باهرة لتمكنتهم من زرع الذكريات في تجاربهم على الجرذان و القردة بربط أدمغتهم خارجياً بإلكترودات.

المصاعب التي واجهتهم كانت :
1- تصفية نشاط الدماغ الكهربائي من أية إشارة غير متعلقة بعملية معالجة الذاكرة، حتى يتمكنوا من محاكاة وظيفة معينة وليس كل وظائف الدماغ.
2- تحويل المبادئ الفيزيائية إلى معادلات رياضية ( النمذجة الرياضية) وتطبيق هذه المعادلات على الأجهزة.
3-يجب أن يكون الجهاز متوافقا مع البيئة داخل الجمجمة، ليس جمجمة شخص معين بل جمجمة أشخاص مختلفين.

 كيف تمكن العلماء من تتبع نشاط الدماغ؟
تمكنوا من فعل ذلك بمراقبة وتسجيل “كمون العمل” (تغيّر من رتبة الميكروفولط في نشاط الدماغ الكهربائي) من على سطح الجهاز العصبي بوجود محفزّات خارجية. أثناء دراسة الدماغ فإنه من غير الكافي التركيز فقط على الخلايا العصبية التي تخضع للتأثير ولكن أيضا التأثير على الخلايا العصبية المجاورة. “Berger” وزميله “Vasilis Marmarelis” درسوا هذه الإشارات على شرائح من الحصين من أدمغة الجرذان وبعد أن تمكنوا من عزل أنماط التواقيع الكهربائية المطلوبة تمكنوا من نمذجة هذه الإشارات في معادلات رياضية ليتمكنوا من برمجتها وتحويلها لى شرائح إلكترونية، بعد ذلك بحثوا في إمكانية تمرير الشحنات الواردة عموما إلى رقاقة إلكترونية متوضّعة خارج الجمجمة عبر الإلكترودات وإعادة إرسالها بعد معالجتها إلى المنطقة المتضررة في الحصين في الدماغ عبر الإلكترودات أيضا.

وبعد نجاح اختبارات الفريق على الجرذان انتقلوا إلى القرود، فقاموا بوصل الإلكترودات إلى أدمغة القردة وتوصيل الرقاقة الخارجية، التي كانت تسجل صورة شاهدتها القردة ودماغها يؤدي وظيفته بالكامل، ومن ثم حقنت القردة بمخدّر الكوكايين بمقادير محسوبة بحيث تقوم بتعطيل هذا الجزء من الدماغ وقاموا بدراسة التعرف على الصورة السابقة. وبينت النتائج أن نشاط الدماغ استجابة لهذه الذكرى كان عاليا.
يأمل الفريق أن ينتقلوا إلى التجارب على الإنسان بالتحدّث إلى إلى الأطباء في الجامعة والذين يأملون أن يعالجوا المرضى الذين يعانون من الصرع الشديد عن طريق ربط الإلكترودات على جانبي الحصين. الفريق يأملون من استغلال هذه الفرصة ليرمزوا الذكريات في هذه الاختبارات. سيؤدي هذا إلى فتح أبواب عهد جديد حيث يمكن استخدام العلم لعلاج الأمراض العصبية الغير قابلة للإصلاح.

المصدر: engineersgarage.com

Mhd Jafar Mourtada

طالب هندسة طبية في جامعة دمشق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى