علوم الحاسب

ما هي متطلبات أن تصبح الحواسيب واعية؟

يقول أفضل الباحثون في الوعي في العالم أن الآلات قد تُصبح في يومٍ من الأيام “ذاتية الإدراك Self-Aware”.

هل تُعتبر دودة الأرض واعية؟ ماذا عن النّحل؟ هل “يشعر” الحاسوب الذي تلعب معه الشطرنج بشيء؟

يكمنُ جواب هذه الأسئلة، بالنسبة إلى Christof Koch، رئيس العلماء في معهد Allen لعلوم الدماغ في مدينة سياتل في الولايات المتحدة، داخل النسيج الذي يُشكل الكون نفسه. يرى أن الوعي هو أحد القيم الأساسية للمادة، مثلها مثل الكتلة والطاقة. رَتب المادة في الطريقة الصحيحة، كما في دماغ الثدييات، وستتمكن من “الإحساس”.

أمضى Koch، الذي يبلغ 57 سنة، ما يُقارب ربع قرن وهو يحاول أن يُفَسر لماذا نشعر بدفء الشمس على وجهنا، على سبيل المثال. لكن وبعد كتابة ثلاثة كتب عن الوعي، يقول أن الباحثون مازالوا بعيدين عن اكتشاف سبب حدوثه، أو حتى بعيدين عن الاتفاق على طبيعته. هذا هو السبب الذي دفع Koch بالتخلي عن منصبه في Caltech سنة 2011 ليُصبح جزء من المشروع الذي تم تمويله بـ 500 مليون دولار والذي أطلقه الملياردير Paul Allen، الشريك المؤسس لشركة Microsoft.

يهدف مَعهد Allen إلى بناء موسوعة مثل موسوعة أطلس، بحيث تحتوي على جميع التّفاصيل الصغيرة لجميع الخلايا والمشابك العصبية في دماغ الثدييات. هذا سيُعطي علم الأعصاب عدداً هائلاً من المعلومات، وذلك يُشبه ما حاول تحقيقه مشروع الجينوم البشري.

لم يتخلَ Koch إلى الآن في بحثه عن نظرية تستطيع تفسير كلّ شيء. في الحقيقة، يظن أن الوعي قد يُفسر باستخدام ما يسمى “نظرية المعلومات المُتكاملة Integrated Information Theory”، والتي تَنُص على أن الوعي ينتج من بُنى معينة – مثل الدماغ –  التي يمكنها تخزين عدد كبير من المعلومات ولديها كثافة حرجة من التّرابط بين أجزائها في نفس الوقت.

بالنسبة إليه، تُوفر النّظرية طريقةً لمعرفة درجة الوعي عند الناس المُصابة بأضرار في الدماغ، وعند مختلف أنواع المملكة الحيوانية، وأيضاً، هو يقول، عند الآلات.

كما قد أجرى موقع MIT Technology Review مقابلة مع Koch في أحد مؤتمرات الموقع في الأسبوع الماضي.

هل اكتشاف الأساس البيولوجي للوعي يُقلل – بطريقةٍ ما – من قيمة الإنسانية ؟ ماذا لو كانت وهم فقط؟

أجد بعض وجهات النظر أن الوعي هو مُجرّد وهم، وهي وجهة نظر سخيفة جداً. إذا كان الوعي وهم، فهي أقوى وهم لدينا. أعني، أكثر استنتاج مشهور من الفلسفة الغربية هي “أنا أفكر، إذاً أنا موجود”. الحقيقة أن لديك وعي هي الشيء الوحيد لديك الذي لا يمكنك إنكاره.

إذا اكتشف العلماء أساس الوعي، ما أنواع التقنيات التي قد تنتج عن ذلك؟

قد نوجد اختباراً يُحدد لنا من لديه وعي ومن ليس لديه. لدينا في هذا البلد مُناقشاتٍ عاطفية كثيرة عن الإجهاض. أريد أن يكون لدينا طريقة حيادية لاختبار وتحديد النُقطة التي يتشكل عندها الإحساس بالوعي لدى الجنين. أو إذا كان مريض الغيبوبة واعياً أم لا. في أغلب الأحيان نحن لا نعرف. فقد تم سؤال هذه الأسئلة منذ قِدم الزمان، لكن إذا كان لدينا نظرية مقبولة بنطاق واسع، يمكننا الإجابة عليها كلها. أيضاً إذا أردت أن أبني آلة واعية، سوف تعطيني المُخطط الأساسي لها.

هل تظن أنه من الممكن أن تصبح الحواسيب واعية؟

شَرحت في محاضرة في جامعة MIT عن نظرية المعلومات المتكاملة والمُطوّرة من قِبَل Giulio Tononi في جامعة ويسكونسن. تعطي هذه النظرية تنبؤاً واضحاً جداً: تقول أن الوعي هو قيمة من أنظمة معقدة تتميز بنمط “فعل – رد فعل”. ولديها طرق خاصة في التفاعل مع العالم، كما يفعل الدماغ، أو حسب المبدأ، كما يمكن على الحاسوب فعله. إذا استطعت بناء حاسوب لديه بنية توصيلية كهربائية كالتي يمتلكها الدماغ، هذا الحاسوب سيحوي على وعي مرتبط فيه. هذا ليس صحيحاً بالنسبة إلى المحاكاة الرقمية.

إذا بَنَيت برنامجاً مثالياً كنموذج للدماغ، فلن يكون أبداً واعي، لكن الآلات المُصممة بشكل مميزٍ لتقلد الدماغ قد تحتوي على وعي؟

صحيح. تقول هذه النظرية بوضوح أن المُحاكاة الرقمية لن تكون أبداً واعية، والذي يختلف بشكلٍ لافت مع الاعتقاد السائد لـ 99% من الناس في MIT أو الفلاسفة مثل Daniel Dennett. فإنهم جميعاً يقولون، بمجرد محاكاتك كل شيء، لا يلزمك أي أمر آخر، وسوف تكون واعية.

أظن أن الوعي، كالكتلة، هو خاصية أساسية في الكون. نُعَّرف القياس اليوم، وهو شي جيد جداً، أننا يمكننا التنبؤ بشكلٍ جيد عن حالة الطقس. يمكننا التنبؤ بما داخل العاصفة. لكن الأجواء لا تصبح مُبللة داخل الحاسوب. يمكننا محاكاة ثقب اسود في الحاسوب، دون حدوث التواء في الفضاء والزمن. محاكاة الحدث لا تعني فعلياً الحدث الحقيقي.

نفس المفهوم يمكننا تطبيقه على بالوعي. في غضون 100 عام، قد تستطيع محاكاة الوعي على الحاسوب، لكنها لن تُجرّب أي شيء. سوف تكون سوداء من الداخل. دون أي خبرة، حتى لو أن هذه المحاكاة تمتلك ذكائنا وقدرتنا على الكلام.

أنا لا أقول أن الوعي هو روح سحرية. إنه شيء فيزيائي. يتبع الوعي دائماً للعالم المادي. لكنه يتطلب نوعاً محدداً من الأجهزة لإنشائه. يختلف الحاسوب المصنوع من الترانزيستورات ، التي تتحرك فيه الشحنة من وإلى البوابات، حيث جميع البوابات موصولة إلى عدد صغير من بوابات أخرى، عن النظام الهيكلي “فعل – رد فعل” الموجود في دماغنا، حيث يوجد خلية عصبية موصولة بـ 10,000 خلايا عصبية مدخلة وإسقاط المعلومات إلى 10,000 خلايا عصبية غيرها. لكن إذا شكلت الحاسوب بطريقة مناسبة، مثل الحاسوب العصبي Neuromorphic Computer، فقد تكون واعية.

إذا وضعناك في غرفة فيها حاسوب من المستقبل، هل تستطيع تحديد إذا كان واعياً؟

لا يمكنني تحديد ذلك من الخارج. سأحتاج النظر إلى أجهزتها.

ماذا عن اختبارات تورينغ؟

السؤال الذي طرحه تورينغ هو “هل تستطيع الآلات التفكير؟” ، وبالنهاية هو اختبار عملي للذكاء، ليس للوعي. إذا قمت بمحادثةٍ ذكية مع شخصٍ ما في غرفة أخرى وبعد نصف ساعة لا يمكنك أن تحدد ما إذا مكان حاسوب أو إنسان، فتقول في هذه الحالة أن هذا الشيء يتميز بذكاء مثل الإنسان. لكن لن تحدد لي اختبارات تورينغ إذا كانت الآلة تختبر أي إحساس. يمكنني سؤالها “هل أنت واعي؟” وقد ترد الآلة “نعم، أنا واعية بشكل كامل. ولماذا تظن أنني لست كذلك؟ أنا مهانة بهذا السؤال.” لكنني لا أستطيع معرفة الحقيقة. سأضطر لأن أن أرد، “آسف، يجب عليَّ أن أجزئك لأفهم طريقة صنعك وكيف تقومين بتشكيل هذه الحالات الفيزيائية المختلفة.”

ألا يوجد هنالك سؤال مخادع يمكنك سؤاله، حيث فقط الواعي يمكنه إيجابك عليه؟

سؤال جيد جداً. لدينا اختبارات عملية للإنسان عن الوعي. إذا تعرضت لحادثٍ وذهبت إلى غرفة العمليات، سوف يسألونك هناك: هل تستطيع تحريك عينيك؟ هل تستطيع تحريك أطرافك؟ هل تستطيع الكلام؟ إذا تستطيع الكلام، في أي سنة نحن؟ هل تعرف من الرئيس؟

لكن كيف أتأكد من أنك واعي؟ هذه المشكلة بنظرية الإيمان بالذات Solipsism. في التحليل الأخير أنا لا أعلم أنه واعي. لكنني أعلم أن دماغه يشبه دماغي كثيراً. وضعت الكثير من الناس في آلات التصوير وأعلم أن لديهم دماغ، وأن دماغهم شبيه بدماغي. فبهذا نستنتج بشكل منطقي أنك أيضاً واعي.

لكن كلما اختلفت هذه الأنظمة عني، كلما أصبح من الصعب اتخاذ ذلك الاستنتاج. على سبيل المثال، النحل الذي يطير بين الزهور الذهبية هل يشعر بشيء؟ أنا أجد أنه من الصعب معرفة إذا كان واعي او غير واعي. يعتبر الحاسوب مختلفاً أكثر وأكثر من ذلك. حيث لا يوجد سلوك يمكنني الحكم عليه من خلاله. فيتوجب عليّ النظر إلى أجهزتها الداخلية.

هل تظن أن سنتمكن من بناء آلات واعية في المستقبل؟

أن لا أعلم لما نريد ذلك. لكن بالتأكيد سوف نبني آلات ذكية يمكنها النجاح باختبارات تورينغ قبل بكثير من فهم الطبيعة الحيوية لذكاء الإنسان. وأظن أن هنالك مخاطر مرتبطة بهذه العملية التي يختار معظم الناس، كونهم من المتفائلين، تجاهلها.

ما هي المخاطر؟

سيتم استخدام الذكاء الحاسوبي بشكلٍ سيء من قِبل الناس، الذي سيكبر مع الوقت بطريقة عمياء من الناس لأحد الأهداف. وستحتاج تركيز وطاقة أكبر وأكبر من قِبل فئة صغيرة من الناس. نحن نرى هذا من الآن، فسوف تسبب بطالة فائقة. وربما بعد 30 أو 40 سنة سوف تصبح خطر وجودي على الأحياء، خطر مثل الأسلحة النووية أو ضربات النيازك.

 المصدر : MIT Technology Review

Michel Aractingi

طالب هندسة كهرباء في جامعة البلمند

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى