المساحة الإخبارية

بإلهامٍ من ويكيبيديا: ثورة في مجال إستطلاعات الرأي على الإنترنت

تعتبر موسوعة ويكيبيديا أحد أهم مصادر المعلومات المجانية على شبكة الإنترنت، خصوصاً أنها تقدم معلوماتٍ في كافة المجالات – تقريباً – ولا تختص بمجال معين، والأمر الهام الذي لا يعلمه الكثيرون أن العديد من المعلومات المتوافرة على ويكيبيديا يتم وضعها من قبل جزء صغير جداً من المستخدمين. الآن، يقوم علماء الاجتماع باستخدام الطريقة ذاتها لجمع البيانات، وذلك عبر السماح للمُشاركين بتصميم المسح والفحص الخاص بهم أثناء مشاركتهم.

Wiki survey (1)
يظهر المنحني علاقة كمية المعلومات التي يتم المساهمة بها بعدد المساهمين بالنسبة لموسوعة ويكيبيديا، وهو يبين أن عدداً قليل من المساهمين والمحررين مسؤول عن الكمية الأكبر من المعلومات المتوافرة على الموسوعة.

غالباً ما يكون جمع المعلومات عن نشاطات وميول الإنسان جوهر أي بحث في علوم الاجتماع، ولكن موضوع اختيار الطريقة الأفضل لجمع هذه المعلومات بات يُشكّل جدلاً حاداً لفترة طويلة.

لدى علماء الاجتماع أساساً خيارين اثنين. الأول، استطلاعات الرأي العام التي تستند على مجموعة أسئلة مُتعددة الخيارات، وتُسمّى هذه الطريقة بالنهج المُغلق Closed Approach. الخيار الثاني هو النهج المفتوح على شكل مُقابلاتٍ مفتوحة، حيث يستطيع المُستجوَبون التكلم بحرية كلّ عن كل ما يخطر ببالهم. نجد بوضوح إيجابيات وسلبيات مهمة لكلا النهجين.

اليوم، يُخطط Matthew Salganik في جامعة برينستون في نيوجيرسي و Karen Levy في جامعة نيويورك لإنشاء طريقةٍ جديدة كلياً لتجميع البيانات، وقد تم استلهام هذه الطريقة من الجيل الجديد لأنظمة تجميع البيانات مثل موسوعة ويكيبيديا. “مثلما تتطور ويكيبيديا مع الوقت بسبب المُساهمات من المشتركين، فإننا نتصور نشوء طريقة مسح تتطور من خلال مُساهمات المستجوبين”. كما يقولان.

يقولون أن هذا المنهج الجديد يستطيع استدراج الآراء التي يصعب الحصول عليها عادةً بالطرق الأخرى. لكنها أيضاً تُشكل تحدياً لعلماء الاجتماع، خاصةً عند القيام بتحليل البيانات المُجمعة بتلك الطريقة.

تُعتبر المشاريع التي تشبه ويكيبيديا عبارة عن نتيجة للمحتوى الذي يتم توليده من قبل المُستخدم ولكن على نطاقٍ كبير، والسؤال الذي قام الباحثان بطرحه هو إذا كان من الممكن بناء هذه الاستطلاعات من قبل الأشخاص الذين يتم استجوابهم وطرح الاستطلاع عليهم، على الأقل الجزء البناء منهم. بمعنى آخر، أن يتم تحويل المسح والاستطلاع من عملية جمع معلومات باتجاه واحد، إلى عملية تفاعلية يساهم فيها أيضاً المشاركون بالمسح والاستطلاع، بدلاً من تقديم الإجابات على الأسئلة.

للوصول إلى الإجابة، قاما بتطوير آليةٍ  جديدة لتجميع المعلومات ودعوها Wiki Surveys. تبدأ بمجموعة أسئلة أولية، ولكنها تسمح للمشاركين بالاستطلاع بإضافة أسئلتهم الخاصة.

يأخذ هذا النوع من الاستطلاع هيئة معينة، حيث سيتم تخيير المستجوبين بين خيارين: هل يُفضّلون البند A أو B على سبيل المثال. لكن المستجوبين يستطيعون أيضاً إضافة بند جديد، والذي يتم إظهاره للمشاركين في المستقبل. وبعد مرور الوقت، سيتزايد عدد البنود الذي يجب اختياره كلما طرح المُستجوبون أفكارهم الخاصة.

يمتلك هذا النوع من الاستطلاعات العديد من الإيجابيات. يظهر أن هذا الشكل يسمح للمشاركين بالتّجاوب مع عدد الإجابات الذي يتمنوه. ويسمي الباحثان هذه الخاصية بالطمع.

يسمح هذا النوع من الاستطلاعات أيضاً للمشاركين بالمساهمة ببنودٍ جديدة أينما أرادوا، فهذه الاستطلاعات تعاونية بشكلٍ فريد من نوعه. أخيراً، يمكن اختيار أزواج الإجابات للمشاركين الجدد بطريقةٍ تساهم بتضخيم التّعلم المُعتمد على الردود السابقة، وبذلك تتأقلم الـ Wiki Survey وهي تتطور.

لاختبار هذه الفكرة، أنشأ Salganik و Levy موقع مجاني يدعى www.allourideas.org حيث أي شخص يمكنه بناء Wiki Survey، وقاموا أيضاً بجمع المُستجوبين من مجموعة مشاركين تشجعوا على المساهمة. منذ سنة 2010، استضاف الموقع 5000 استطلاع تضمنت 200,000 بند وجمعت 5 مليون رَد.

قام Salganik و Levy بمناقشةٍ تفصيلية على مثال هذا الاستطلاع لمكتب التخطيط والاستدامة الذي يديره محافظ نيويورك. تُريد هذه المنظمة فهم أفكار السكان عن خطة المدينة ودمج أي أفكار جديدة.

بدأ مكتب المحافظ بقائمة من 25 بند أولي حيث تسأل الناس لمقارنة الأزياء الزوجية، وتشجيع المشاركين بإضافة أفكارهم الخاصة. على سبيل المثال، الاختيار بين ” الباحات المدرسية المفتوحة عبر المدينة كملاعب عامة” و “زيادة زرع الأشجار المخطط لها في الأحياء ذات حالات الربو المرتفعة.”

عبر أربعة أشهر، ساهم 1,436 شخص في أكثر من 30,000 ردّ و464 فكرة جديدة في الاستطلاعات. في نهاية الاستطلاع، ثمانية من أصل الأفكار العشرة التي سجلت أعلى نتيجة كانت من مساهمات المشاركين أنفسهم.

باستخدام أساليب جمع البيانات السابقة، فإنه من الصعوب الحصول على هذه الأفكار الجديدة من قبل المشاركين، مثل “الحفاظ على مياه مدينة نيويورك من خلال حظر التصديع الهيدروليكي في أماكن تجمع مياه المدينة” و ” وصل السفن إلى شبكة الكهرباء كي لا تخمل في ميناء – فبالتالي تقليص انبعاثات تعادل انبعاثات 12,000 سيارة لكل قارب.”

يُظهر لنا بوضوح Salganik و Levy  أن هذه الطريقة لا تزال تحتاج إلى العديد من الأبحاث الهامة.

بشكلٍ خاص، عليهما فهم بطريقة أفضل كثافة وصحة الردود التي تتشكل. قد يتم تحقيق ذلك بمقارنة النتائج التي تم جمعها مع أسلوب تجميع بيانات آخر. أيضاً، لا يزال تحليل البيانات من الاستطلاعات الزوجية أمراً يُشبه تجربة إحصائية، وتوفر تحدياً بالنسبة إلى المُجتمع الإحصائي لإيجاد الطريقة الأكثر كفاءة لاستخراج هذه المعلومات من عمليات كهذه. هذا أسلوب مثير للاهتمام يهدف لإيجاد مجموعة معلومات من الصعب الوصول إليها باستخدام مناهج أخرى، فهي تسمح بتجميع المعلومات بطريقة تعكُس طريق التوزيع الطويل المعروف للمساهمين.

على سبيل المثال، في الويكيبيديا مُعظم المعلومات تأتي من كمية صغيرة جداً من المحررين. “إذا كانت ويكيبيديا تسمح بعشرة تحريرات فقط لكلّ محرر – تقريباً مثل الاستطلاعات التي تتطلب من المستجوبين إكمال استطلاع واحد فقط – فسيُستبعد قرابة 95% من التحريرات والمقالات عليها”. كما يقول Salganik و Levy.

بالطبع، هذا النوع من التحيّز يجب حسابه عند تحليل البيانات، ويكمن في ذلك تحدي كبير. حان الوقت لخبراء الإحصاء للانشغال في عملهم.

 المصدر: MIT Technology Review

Michel Aractingi

طالب هندسة كهرباء في جامعة البلمند

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى