المساحة الإخبارية

شركة IBM تقوم بإعادة تصميم الحواسيب الفائقة

تعتمد الحواسيب الفائقة في عملها على أداء العمليات الحسابية للبيانات الضخمة القادمة إليها عند سرعاتٍ هائلة، وعلى الرغم من الفوائد الكبيرة التي قدمتها الحواسيب الفائقة في العديد من المجالات – خصوصاً مجال البحث العلمي – فإن عصرنا الحديث المتميز بالحصول على كمياتٍ كبيرة وهائلة جداً من المعطيات، قد بدأ يؤثر على الحواسيب الفائقة، ويبدو أنها لم تعد قادرة على تحمل الكميات الهائلة من المعطيات والبيانات المختلفة والتي تحتاج لمعالجة.

من أجل حل هذه المشكلة، تقوم شركة IBM حالياً بإعادة تصميم الجيل المقبل من الحواسيب الفائقة التي ستعمل عليها، وذلك من أجل تخفيض الحاجة لتبادل المعطيات والبيانات بين الذواكر ووحدات المعالجة الحاسوبية. حصلت شركة IBM مؤخراً على عقدٍ فدرالي مع حكومة الولايات المتحدة الأمريكية بقيمة 325 مليون دولار من أجل بناء أقوى حاسوبين فائقين في العالم وذلك لصالح مخابر حكومية، وبحلول عام 2017.

سيقوم الحاسوب الفائق الأول – والذي سيسمى Summit – بمساعدة الباحثين على معالجة البيانات اللازمة لمحاكاة مفاعل نووي ونمذجة التغيرات المناخية في الولايات المتحدة الأمريكية، وسيتم تسخيره لصالح مختبر أوك ريدج الوطني التابع لوزارة الطاقة الأمريكية. بالنسبة للحاسوب الفائق الثاني والذي سيسمي “Sierra”، فإنه سيساعد بتوفير الطاقة اللازمة كي يعمل الباحثون على التنبؤ وإجراء اختبارات افتراضية حول عمر الأسلحة النووية التابعة لترسانة الأسلحة النووية الأمريكية، وسيتم تسخير هذا الحاسوب ليعمل في مختبر لورنس ليفرمور الوطني في كاليفورنيا.

يعتمد كلا النظامين الحاسوبيين على مفهوم جديد في معماريات الحواسيب تقوم شركة IBM بتطويره، حيث وصفت شركة IBM هذه المعمارية على أنها معمارية “مركزية البيانات Data Centric”، حيث تساهم هذه المعمارية بزيادة سرعة الأداء الحاسوبي عبر النظام ككل عبر “سحق” البيانات عند عدة نقاط مختلفة، أي تقليص حجم البيانات اللازمة للمعالجة، وذلك بدلاً من نقل وتبادل البيانات مراتٍ عديدة ضمن النظام، أي بين الذواكر ووحدات المعالجة. لم تقدم شركة IBM أية تفاصيل حول كيفية قيامها بذلك.

يقول دايف تورك، نائب رئيس قسم الحوسبة التقنية في شركة IBM :” إن التدفق التقليدي للمعطيات الذي يتم تبادله جيئةً وذهاباً بين وحدات المعالجة والذاكرة، هو كالنهر العملاق الذي يتم تحويل مساره مراتٍ عديدة، ومن ثم يصبح هزيلاً وضعيفاً حالما يصل إلى وجهته النهائية”.

إذا تم إنهاء العمل على نظامي Summit و Sierra اليوم، فإنهما سيكونان أقوى حاسوبين فائقين تم بناؤهما على الإطلاق، حيث وضع لكل منهما قدرة معالجة حاسوبية تعادل 100 بيتا فلوب (للمزيد عن الفلوب اضغط هنا )، حيث سيقوم هذان النظامان باستثمار المعمارية الجديدة من شركة IBM من أجل تحقيق قدرة معالجة حاسوبية أقوى بحوالي 5 – 10 مرات من الحواسيب الفائقة المستخدمة اليوم.

تعمل شركة IBM على أن تكون معماريتها الجديدة فعالة جداً من حيث كفاءة الطاقة، وكذلك أيضاً من حيث الحجم، وبالمقارنة مع الحاسوب الفائق Titan، فإن حاسوب Summit سيستهلك قدراً قليلاً من الطاقة كي يعمل، حيث تشير بعض التقديرات (غير أكيدة) إلى أن طاقة العمل التي سيحتاجها حاسوب Summit تعادل 10% فقط من طاقة عمل حاسوب Titan، فضلاً عن كونه يقدم قدرة معالجة حاسوبية أكبر بحوالي 5 – 10 مرات، ويحتل حجماً فيزيائياً يعادل 1/5 من الحجم الفيزيائي الذي يشغله حاسوب Titan. يعتبر موضوع كفاءة استغلال الطاقة واستثمارها نقطةً حرجة جداً بمجال تطور الحواسيب الفائقة، فإذا تم الاستمرار بالمعماريات الحالية التي تعتمد على تبادل المعطيات مراتٍ عديدة بين الذواكر واللوحات الإلكترونية لمراتٍ عديدة، فإنها هذا سيؤدي إلى مشكلة كبيرة بمجال الطاقة اللازمة لتشغيل الحاسوب، خصوصاً مع الحواسيب المستقبلية التي تطمح للوصول لقدرة معالجة من رتبا الاكسا فلوب.

إذا كان الأمر ضرورياً، فإن الحاسوبين الجديدين من IBM سيكونا قادرين على تسريع تبادل البيانات بمعدل قدره 17 بيتا بايت/ثانية، وهو ما يكافئ نقل حوالي 100 مليار صورة من موقع فيسبوك خلال ثانية واحدة. مثل هكذا أنظمة جديدة ستعتمد على استغلال المميزات الجديدة لتقنية NVLink التي تطورها شركة NVIDIA، والتي ستسمح لوحدات المعالجة المركزية التابعة لشركة IBM والجيل المقبل من البطاقات الرسومية GPU التابعة لشركة NVIDIA، ستسمح لها بتبادل البيانات بسرعاتٍ أكبر من السرعات الحالية بحوالي 12 مرة.

إن المعمارية الجديدة التي قامت شركة IBM بوضعها، وهي معمارية Data Centric، توفر حلولاً واعدة للمشكلة التي بدأت تطفو بشكلٍ كبير مؤخراً، وهي المشكلة المعروفة بـ “معضلة المعطيات الكبيرة Big-Data Problems”. يعتمد نظام الحواسيب الفائقة التقليدي على استخلاص المعطيات من الذواكر ومن ثم إرسالها إلى وحدات المعالجة التي تقوم بعمليات تحليل المعطيات ومعالجتها، ويبدو أن هذه الطريقة لن تكون قادرة على مواجهة الكميات الكبيرة من المعطيات والبيانات التي يتم الحصول عليها، مثل عمليات النمذجة والمحاكاة لمجالات وقضايا مثل المُعطيات الناتجة عن السلوك البشري في الزمن الحقيقي، وعلى نطاقٍ واسع، بدءاً من شراء الأشياء على موقع أمازون Amazon وصولاً للمعطيات الناتجة عن تعقب المكالمات والرسائل النصية عبر الوكالات الأمنية المختلفة.

أصبحت مشكلة التعامل مع المعطيات الكبيرة مشكلةً مألوفة بالنسبة للعديد من الأشخاص، سواء على المستوى البحثي أو المستوى الصناعي، وهي الأمر الذي قاد لنشوء علامة مميزة بمجال الحواسيب الفائقة، وهي التصنيف الحديث المعروف بـ Graph 500، وهو يختلف عن التصنيف التقليدي الشهير بـ Top 500، بكون التصنيف التقليدي يعتمد على عدد العمليات الحسابية التي تستطيع الحواسيب أن تنجزها في ثانيةٍ واحدة، بينما تصنيف Graph 500 يعتمد على قدرة الحواسيب على تمحيص وفحص المعطيات والبيانات، وإجراء وصلات بين النقاط المميزة المتواجدة ضمن المعطيات. ويقول توريك بهذا المجال :” لا يهتم أحد بمدى سرعة الحاسوب على إنجاز عملية حسابية، بل إن الاهتمام الحقيقي هو بسرعة الحاسوب على حل مشكلة معينة، وهنا يمكن الفرق”.

صرحت شركة IBM أن حواسيبها الفائقة الجديدة ستكون متاحة بحلول عام 2017، ولكن بعض الزبائن لن يكونوا على استعداد للانتظار حتى هذا الوقت، ومن أجل ذلك، فقد قامت الشركة بالبدء فعلياً ببناء عناصر تعتمد على المعمارية الجديدة، مثل قيامها بدمج القدرة الحاسوبية مع التخزين، وتضمين هذه العناصر مع الحواسيب الفائقة المستخدمة في الوقت الحالي. بدأ بعض الزبائن المحتملين (مثل شركات النفط والغاز، شركات خدمات التمويل المالي، وبعض المراكز البحثية) بالحديث مع شركة IBM من أجل استخدام هذه العناصر الأولية التي بدأت الشركة بتصنيعها، والتي تعتمد على معمارية Data Centric، وذلك كي تتمكن هذه الشركات من حل مشاكلها الخاصة مع معضلة المعطيات الكبيرة.

 المصدر: IEEE Spectrum

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى