المساحة الإخباريةعلوم الحاسب

كيف يمكن لنواظم الخطا الدماغية أن تساهم بمعالجة الباركنسون؟

في مجال أجهزة المعالجة القلبية، يعتبر جهاز “ناظم الخطا القلبي Cardiac Pacemaker” أحد أهم الأجهزة وأكثرها انتشاراً، فهو يتخصص بمعالجة الاضطرابات التي ستحصل في الدورة الدموية، كنتيجة لخلل في الإشارات الكهربائية المسؤولة عن عملية انقباض أذينات وبطينات القلب.

بالنسبة للدماغ، وبحالة مرضٍ مثل مرض الباركينسون Parkinson، فإن الأطباء يعلمون اليوم أن عملية التّحفيز العميق للدماغ Deep Brain Stimulation تُساهم بشكلٍ فعال في عملية العلاج من مرض الباركينسون، وذلك على الرّغم من عدم معرفتهم الدقيقة لكيفية حدوث المعالجة باستخدام التّحفيز العميق للدماغ، أو لماذا يُساهم التّحفيز العميق للدماغ بمعالجة مرض الباركينسون، ولكن يبدو أن دراسة حديثة ستُساهم بكشف هذه الأسرار التي لا يعرف الأطباء كيفية حدوثها بالفعل، حيث تقترح الدراسة أن التّحفيز العميق للدماغ يقوم بنشر أنماط من النّشاطات الكهربائية المُتزامنة عبر الدماغ.

( اقرأوا أيضاً: كيف يقوم الدماغ بترشيح الإشارة من الضجيج ؟ )

في عملية التّحفيز العميق للدماغ، يتم زرع جهاز صغير ضمن الدماغ، ويقوم هذا الجهاز بإرسال نبضاتٍ كهربائية عبر العصبونات Neurons، بحيث سيتصرف هذا الجهاز بشكلٍ مُشابهٍ لنظام الخطا القلبي الذي يقوم بتنظيم ضربات القلب والنشاط الكهربائي للقلب، حيث يعمل ناظم الخطا القلبي على إرسال نبضاتٍ كهربائية ضمن نسيج القلب. تستخدم هذه التقنية على نطاقٍ واسع من أجل تأمين علاج فعال لمرض الباركينسون والأمراض الخاصة بالاضطرابات الحركية، وتشير الإحصاءات إلى أنه يوجد حوالي 100000 مريض قد تم زرع أجهزة تحفيز دماغي لهم، حيث تساعدهم هذه الأجهزة على التحكم بالرجفات اللاإرادية، وزيادة صلابتهم، وأعراضهم الحركية الأخرى.

خلال السنوات الأخيرة، قام الباحثون أيضاً باستخدام تقنية التحفيز العميق للدماغ كعلاجٍ تجريبيّ لبعض الأمراض النفسية مثل الاكتئاب، إلا أن النتائج كانت مختلطة بعض الشيء، ويعاني العلماء الآن من أجل فهم كيف أن بعض الدراسات تظهر نتائج رائعة ومبهرة فيما يتعلق التحفيز العميق للدماغ، في حين أن بعض الدراسات الأخرى تفشل ولا تحقق النتائج المتوقعة. أشار بعض الرياديين في مجال التحفيز العميق للدماغ أن المشكلة الأساسية بنتائج أبحاث التحفيز العميق للدماغ تتعلق بصورةٍ رئيسية بعلم الأعصاب Neuroscience، وليس بالهندسة، أي أن المشكلة هي بنقص المعلومات والمعارف فيما يتعلق بالدماغ وتوصيلاته العصبية وعملها مع بعضها البعض، وليست المشكلة بالتطبيق الهندسي المستخدم من أجل حل المشكلة.

( اقرأوا أيضاً: زراعة الذكريات في الدماغ )

حديثاً، تم إجراء بحث جديد في جامعة كاليفورنيا، حيث حصل الباحثون على معلوماتٍ جديدة وفهمٍ جديد بمجال علم الأعصاب، عبر إجراء فحوصات على أدمغة مرضى يعانون من مرض الباركينسون، بحيث تم اختيار المرضى الذين تم زرع أجهزة تحفيز دماغي لهم، وخلال العملية الجراحية التي تم خلالها زرع أجهزة التحفيز الدماغي في النسج العصبية، قام الجراحون بوضع إلكترودات (أقطاب) على سطح دماغ كل مريض من أجل تسجيل نشاط القشرة الحركية المخية Motor Cortex. الخطوة التالية التي أجراها الباحثون هي تشغيل وإطفاء جهاز التحفيز الدماغي مراتٍ متكررة، ومن ثم تسجيل أثر التحفيز على النشاط العصبي في المنطقة التي تم وضع الإلكترودات فيها.

قامت الإلكترودات بتسجيل النشاط العصبي على شكل موجاتٍ دماغية. الموجات الدماغية عبارة عن اهتزازاتٍ موجية ذات تردداتٍ محددة، والتي تمثل نشاط ملايين من العصبونات الدماغية. سابقاً، اكتشف الباحثون أن المرضى المصابين بالباركينسون يعانون من ظهور معدلاتٍ غير نظامية من اللاتزامن بين موجات بيتا منخفضة التردد وموجات غاما عالية التردد. الدراسة الجديدة أظهرت أن التحفيز العميق للدماغ يساهم بتخفيض اللاتزامن بين الموجات.

brain-waves-4electron
أنماط الموجات الدماغية Brain Waves وتردداتها والحالات التي تمثلها

تم تفسير نتائج على أن الترابط بين طور ومطال الموجات Phase-Amplitude Correlation عبارة عن خاصية ومؤشر هام على الحالة الصحية للدماغ، إلا أن الحالة المفرطة والشديدة من التزامن هي ما قد يسبب مرض الباركينسون. ووفقاً لتفسير الباحثين، فإنه وبحالة الدماغ السليم، يظهر الترابط بين طور ومطال الموجات الدماغية عندما يكون الإنسان بحالة الراحة، وعندما يريد الإنسان أن يبدأ حركة معينة، تنكسر حالة الترابط بين طور ومطال الموجات، والسبب في ذلك أن العصبونات ستكون مسؤولة عن البدء بتوليد إشاراتٍ جديدة للبدء بنشاطٍ جديد وهو الحركة الإرادية، وهذا يعني أن نمط الترابط بين الطور ومطال الموجات الذي يظهر بحالة الراحة لن يعود موجود. ولكن في حالة مرض الباركينسون، فإن العصبونات التي من المفترض أن تكون قادرة على البدء بمهمةٍ جديدة، لن تكون قادرة على أداء ذلك، لأنها ستكون لا تزال مرتبطة ومتزامنة مع بعضها البعض، وهذا ما يؤدي بالنتيجة إلى ظهور الصعوبات الحركية.

( اقرأوا أيضاً: محاكي للنطق البشري متصل مباشرةً بالدماغ )

وبحالة أمراض نفسية أخرى مثل الاكتئاب، فيبدو أنه يوجد نفس الحالة من التزامن الشديد لطور ومطال الموجات، وهو ما قد يفسر لماذا نجحت عملية التحفيز الدماغي العميق لبعض المرضى. ويفسر الباحثون هذا الأمر أنه بحالة مرض الباركينسون، ستكون القشرة الحركية عالقة بنمطٍ غير مرن والذي يعيق الحركة، والذي قد يكون نفس الأمر بالنسبة للاكتئاب، حيث يساهم هذا النمط اللامرن الموجود في القشرة المخية بمنع الإنسان من التفكير بطريقةٍ مغايرة تساهم بخروجه من حالة الاكتئاب.

(للمزيد من التفاصيل اقرأوا مقالنا: ما هي الموجات الدماغية ؟ )

يعتقد الباحثون أن الأبحاث المتعلق بالتحفيز الدماغي العميق لن تساهم فقط بزيادة فهمنا وإدراكنا لكيفية عمل الدماغ نفسه، ولكنها قد تقود أيضاً إلى تطوير أنماطٍ جديدة من أجهزة التحفيز الدماغي العميق، ويعمل حالياً بعض الباحثين بمجال الأمراض والاضطرابات العصبية على تطوير أنظمة مغلقة، تقوم بتسجيل نشاط الجسم، ومن ثم تقوم بتوليد إشارات التحفيز الملائمة والمناسبة لحاجات الجسم نفسها. ويمكن عبر استغلال مثل هذه الطرق – أي تسجيل نشاط الجسم – أن يتم ابتكار جهاز تحفيز دماغي عميق، يقوم بتوليد إشارات التحفيز الكهربائية، تبعاً لمقدار ترابط وتزامن طور ومطال الموجات الدماغية، والذي يبدو أنه منشأ وسبب الباركينسون.

deep-brain-stimulator-4electron
آلية عمل جهاز التحفيز الدماغي العميق Deep Brain Stimulator الذي قامت شركة Medtronic بتصميمه وإنتاجه.

قام الفريق البحثي المسؤول عن الدراسة الجديدة بإجراء تجارب باستخدام أجهزة تحفيز دماغي مصنعة من قبل شركة Medtronic، حيث تستطيع هذه الأجهزة أن تقوم بتسجيل الإشارات الخاصة بنشاط الدماغ وتوليد إشارات التحفيز، وبعد إجراء الدراسات الأولية، انتقل الباحثون الآن لإجراء الاختبارات على البشر، حيث تم زرع جهاز التحفيز لخمس مرضى يعانون من مرض الباركينسون. ويحاول الباحثون الآن معرفة فيما إذا كان بالإمكان استخدام الجهاز ضمن نظام حلقة مغلقة، أي نظام يقوم بتسجيل الإشارات الخاصة بالنشاط الدماغي والموجات الدماغية، وتوليد إشارات التحفيز العميق بكفاءةٍ وفعالية.

المصدر: IEEE Spectrum

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى