خوارزمية ذكاء صنعي جديدة تنافس البشر في اختبار SAT المعياري!
نعم، أصبح من البديهي سماع الأخبار المتعلقة بفوز الحواسيب في مسابقات الذكاء خصوصاً تلك المتعلقة بأسئلة الرياضيات، ولكن هذا ليس ما نتحدث عنه هنا.
تبدأ القصة بوجود برنامج رائع يدعى GeoS من معهد آلن للذكاء الصناعي Al2، وتدور قصتنا حول قدرة الذكاء الصنعي بالانخراط بشكلٍ مُفيد مع العالم المحيط. بالنسبة لجهاز حاسوب مُزود بدماغ مُصمم حرفياً لهذا النوع من العمليات، فاختبار SAT المعياري ليس اختباراً للمهارات الحسابية والرياضية وحسب، بل هو أيضاً اختبار معياري للقراءة الاستيعابية Reading Comprehension، وهذا ما جعل من القصة مُثيرةً للاهتمام، فبرنامج GeoS ليس مجرد برنامج يمتلك مهارات حسابية ورياضية كتلك التي يمتلكها الأمريكي العادي، بل هو برنامج يمتلك المهارات التي يمتلكها المواطن الأمريكي لإجراء اختبار SAT كاملاً.
على وجه التحديد، استطاع هذا البرنامج الحصول على ما يُقارب 49% من العلامة الكاملة لأسئلة الهندسة باختبار SAT و 61% في الأسئلة العَملية. الحصول على نسبة 49% من العلامة الكاملة للأسئلة مماثل ومطابق للنسبة الوسطية التي يحصل عليها المتقدمين البشر. الجدير بالذكر أنه لم يتم إعطاء البرنامج أي إصدارات رقمية أو توصيف مُخصص للاختبار، بل قام البرنامج بإجراء الاختبار وكأنه طالب حقيقي وحصل على نفس نموذج الأسئلة، حيث قام بتفسير الرسوم البيانية، ومن ثم أوجد ماهيّة السؤال، وبعد ذلك أوجد الحل، وقد حصل على الجواب بنصف الوقت، مما قد يجعله عرضة للخطأ كالإنسان.
اقرأوا أيضاً: (الحوسبة في عام 2014: إنجازات في مجال الذكاء الصنعي)
برنامج GeoS ليس مثالياً بكل تأكيد، فهو يرتكب بعض الأخطاء لأسباب مختلفة أكثر من طلاب المرحلة الثانوية، فالإنسان قد يُفسر السؤال بشكلٍ صحيح، ومن ثم قد يقوم بتطبيق صيغة الحل الخاطئة، أو قد يتعثر بالحساب. وباعتبار GeoS جهاز حاسوبي، فإنه سيقوم افتراضياً بالحصول على الجواب الصحيح دائماً، وذلك طالما أنه يفهم السؤال بشكلٍ صحيح. ما يحصل ببعض الحالات أن البرنامج يكون غير قادر على قراءة الكلمات بشكلٍ صحيح، أو قد تكون الصياغة النحوية للسؤال غريبة جداً للتحليل بالنسبة للبرنامج، مما يؤدي بالنتيجة إلى فهمٍ خاطئ للسؤال، وهو ما يقود بالنتيجة إلى جوابٍ خاطئ. بكل الأحوال، وبغض النظر عن ذلك، فإن ما نهتم هنا بقياسه حقاً هو قدرة الحاسوب على فهم التواصل الإنساني.(وذلك بغض النظر عن مسألة الكلمات والعبارات).
يعتمد البرنامج على سلسلة من الخطوات المنطقية أثناء عمله:
- قراءة نص السؤال (متضمناً الشكل الهندسيّ المرافق له)
- تفسير نص السؤال: أي امتلاك البرنامج لقدرة “القراءة الاستيعابية” والتي تسمح له بأن يفهم ويستوعب بشكلٍ صحيح هدف السؤال والغاية منه
- البحث عن الجواب الصحيح للسؤال (كما فسره وفهمه البرنامج) ضمن الأجوبة المتاحة من الخيارات المتعددة
الفكرة هنا تتعلق بتطوير قدرة البرنامج على تحليل وفهم وتفسير الأشكال الهندسية، بالإضافة لتفسير الكلام المكتوب. بلغة الخوارزميات، فإن ما نتحدث عنه هو خوارزميات تعرف أكثر تطور بمجال “التعرف على الأنماط Pattern Recognition” ومعالجة اللغات الطبيعية “Natural Language Processing” ودمجها مع بعضها البعض من أجل الحصول على خوارزمية تفهم السؤال بشكلٍ كامل، وتربط ما بين الشكل والنص المكتوبين على أنهما “شيئين” مرتبطان مع بعضهما البعض، وليسا عبارة عن “أشياء” مختلفة كل منها له هدف خاص.
وللقيام بذلك، قام الباحثون بخلط مجموعة كاملة من تقنيات البرامج المختلفة. يستخدم برنامج GeoS خوارزمية بصرية للتعرف على الحروف، وذلك بهدف قراءة النص، بالإضافة إلى معالجة لغة مُخصصة لمحاولة فهم ما يقرأ. الأسئلة المُتعلقة بالهندسة مبنية كي تكون صعبة التحليل، حيث أنها تكون غالباً ما تكون مبهمة، أي أنها تحمل افتراضات لم يتم تجريبها والتحقق منها. بعض هذه الافتراضات تكون بديهية للإنسان من حيث التحقق، ويمكن التأكد منها بمجرد النظر إلى الشكل الخاص، ولكن بالنسبة لبرنامجٍ حاسوبيّ، فإنه يجب أن يقوم بمسح الشكل كاملاً ويستحصل كافة المعلومات مفيدة منه، قبل أن يقوم بتفسير السؤال وتحديد الهدف منه ومن ثم البحث عن الإجابة الصحيحة.
كمثال على ذلك السؤال الموضح في الصورة التالية: نص السؤال لا يتضمن أي معلومة تشير إلى أن الخطين BD و AC يتقاطعان عند النقطة E، وعلى الرغم من كون هذه المعلومة قابلة للملاحظة بشكلٍ مباشر من قبل الإنسان، إلا أن البرنامج الحاسوبي يحتاج لمسح الشكل واستنتاج هذه المعلومة بناءً على طريقة معالجته للشكل وتفسيره. إن كانت طريقته لمعالجة الشكل خاطئة فإن البرنامج لن يتوصل لهذه النتيجة والتي تلعب دوراً هاماً باختيار الجواب الصحيح، وهذا ما سيقود البرنامج للتوصل لجوابٍ خاطئ للسؤال، إن أساء فهم وتفسير نص المشكلة والشكل المرافق لها.
وعلى صعيدٍ آخر، وعلى الرّغم من أن أسئلة الهندسة كثيفة وصعبة التناول بشكلٍ مُستقل، إلا أن هذه الأسئلة متماثلة بشكلٍ كبير من حيث البنية وجوهر الموضوع، وبالتالي يُمكن لمبرمجي الذكاء الصنعي التخطيط لعملية تصميم المبادئ الدقيقة والتي تدخل في كتابة الأسئلة، لكن لا يمكن أن تأخذ هذه الطريقة البرمجية نفسها وتُطبّقها بشكلٍ مُباشر على الأسئلة الحسابية، على سبيل المثال، وذلك لأنها تستخدم لُغة مُختلفة إلى حدٍ ما بالإضافة إلى رموزٍ رياضية خاصة لوصف المشكلة أو السؤال.
اقرأوا أيضاً: (خوارزمية “التّعلم العميق” تهزم البشر في اختبارات الذكاء)
بكل الأحوال، أظهرت هذه الدراسة كيف أنه يمكن تجميع الأدوات المُستقلة المتوافرة في مجال الذكاء الصنعي لتشكيل نمط أكثر تكامل وتميز من الذكاء الصنعي. يمكن القول أن الأمور ستنكشف أكثر وبشكلٍ أوضح عندما يبدأ الباحثون المتخصصون بمجال الذكاء الصنعي بدمج تقنيات وبرامج الذكاء الصنعي لتكوين كياناتٍ أكثر تكامل وأقل هشاشة، أي للحصول على كياناتٍ ليست غريبة كلياً عن العقل الحيوي البشري.
حالياً، يستطيع برنامج GeoS أن يقوم بحل مسائل الهندسة المستوية Plane Geometry بكفاءةٍ ودقة مشابهة (وتتفوق أحياناً) على كفاءة البشر. يعمل الباحثون في معهد آلن لبحوث الذكاء الصنعي على الوصول لقدرة حل كاملة لكافة المسائل الرياضية المتعلقة باختبار SAT المعياري، وذلك في غضون ثلاث سنوات.
المصادر: Washington University – Extreme Tech
يمكنكم تحميل الورقة البحثية الخاصة ببرنامج GeoS: من هنا
للمزيد من التفاصيل حول الطرق والأساليب المستخدمة في البرنامج: من هنا
لمشاهدة العرض التوضيحي لكيفية قيام برنامج GeoS بحل المسائل: من هنا