المساحة الإخبارية

[فيزياء المستقبل]: الإعلان عن مشروع مصادم الجسيمات المستقبليّ بطولٍ يتجاوز 100 كيلومتر

هل سمعتم من قبل بمصادم الهاردونات الكبير LHC: Large Hadron Collider؟ إنه ببساطة أكبر مختبرٍ علميّ موجود حاليًا على سطح الأرض إذ يتكون ببساطة من حلقةٍ دائرية بطولٍ يبلغ 27 كيلومتر يتم فيها تجارب صدم الجسيمات بسرعةٍ وطافةٍ عاليتين بهدف سبر أغوار الفيزياء والوصول لمعرفةٍ أفضل حول الظروف التي أدت لنشأة كوننا. حسنًا الآن يتم العمل على مشروعٍ أكبر وأضخم: إنه المصادم الدائريّ المستقبليّ FCC: Future Circular Collider الذي قد يصل طوله حتى 100 كيلومتر!

حول المشروع: مزيد من الطاقة، مزيدٌ من الاكتشافات

ولكن لماذا يحتاج الفيزيائيون والمجتمع العلميّ لمثل هكذا آلةٍ هائلة؟ الإجابة بسيطة: من أجل الحصول على قدرةٍ أكبر وظروفٍ أفضل لإجراء تجارب لا يمكن تنفيذها باستخدام المصادم الحاليّ، فعلى الرّغم من الاكتشافات الهامة التي تم تحقيقها بفضل مصادم الهادرونات الكبير، مثل إثبات وجود جسيم بوزون هيغز Higgs Boson، فإنه لا يزال عاجزًا عن الإجابة على أسئلة أكثر عمقًا في فيزياء الجسيمات، مثل تلك المتعلقة بالمادة السوداء Dark Matter والتي تتنبأ بها بعض النظريات الفيزيائية، أو السؤال المتعلق بالجسيمات المعروفة بالمادة المضادة Anti-Matter وسبب وجودها بكميةٍ غير مساوية للمادة العادية، أي الجسيمات والجزيئات التي تكوننا جميعًا وتكوّن هذا الكون برّمته.

من أجل هذه الأسباب، تم الإعلان عن مشروع المصادم الدائريّ المستقبليّ FCC، حيث عمل 1300 عالم وباحث من 22 دولة حول العالم على المقترح الخاص به والتصميم الأوليّ الذي قد يمتلكه فضلًا عن الكلفة المالية التي قد يستلزمها تنفيذ مثل هكذا مشروع ضخم. الجدير بالذكر أن المصادم المستقبليّ مثله مثل مصادم الهادرونات الحاليّ هما مشروعان تابعان للوكالة الأوروبية للأبحاث النووية CERN والتي يقع مقرّها بمدينة جنيف السويسرية.

من أجل توضيح مبررات الحجم الضخم لمشروع المصادم الدائريّ، يجب توضيح مبدأ عمل مصادمات الجسيمات، فما يتم ببساطة هو صدم لجسيماتٍ أولية (مثل البروتونات) بعد رفع طاقتها وسرعتها لحدودٍ عاليةٍ جدًا تصل لسرعة الضوء، وبذلك فإن صدم هذه الجسيمات مع بعضها البعض عند طاقةٍ عالية سيؤدي للكشف عن مكوناتها الداخلية من جسيمات ومكوناتٍ أصغر، ونجحت هذه التقنية سابقًا بالكشف عن الجسيم المسؤول عن إعطاء المادة “الكتلة”، أي جسيم هيغز بوزون، وكان المصادم الوحيد الذي نجح بذلك هو مصادم الهادرونات الكبير بفضل طوله الكبير وكواشفه المعقدة، بينما فشلت مصادمات أخرى (مثل مختبر فيرمي في الولايات المتحدة) من تحقيق هذا الإنجاز. الآن، وبعد أن قدم مصادم الهاردونات الكبير الكثير للعلم ولفيزياء الجسيمات، فإن أسئلةً وفرضياتٍ عدة لا تزال تنتظر إجابةً ودليلًا ماديًا يثبت صحتها من عدمها، ويبدو أن مصادم الهادرونات الكبير غير قادر على تحقيق ذلك، وبالتالي، يعتقد الفيزيائيون والعلماء المؤيديون لمشروع المصادم الدائريّ المستقبليّ أن مساحةً أكبر وطاقةً أعلى هي أمورٌ ستساهم بالوصول لمبتغاهم المتمثل في سبر المزيد من أغوار الفيزياء.

هل نحتاج فعلًا لمثل هكذا مشروع؟

من ناحيةٍ أخرى، وعلى الرّغم من الحماسة الكبيرة التي يتحدث بها مصممو المشروع والقائمون عليه، فإن جانبًا آخر من المجتمع العلميّ يجد أن الكلفة والجهد المبذولين لتنفيذ هذا المسعى يجب أن تنصب باتجاه قضايا أخرى أكثر إلحاحًا في الوقت الحاليّ على الصعيد العلميّ، مثل تحسين أنظمة التنبؤ بالأحوال الجوية ودراسة المناخ، أو المعضلات الطبية المزمنة مثل السرطان أو إيجاد علاجٍ دائم لمرض عوز المناعة المكتسبة الإيدز. بالإضافة إلى ذلك، يجد بعض العلماء أن فكرة المشروع بحد ذاتها غير مجدية ولن تساهم بالوصول للإجابات التي يسعى إليها الفيزيائيون، حيث يجد البروفيسور دافيد كينغ، المدير العلميّ السابق للملكة المتحدة، أنه يتوجب تحديد المسعى من المعرفة التي نحتاجها والتحقق من مدى الفائدة التي ستعود بها على البشرية، بدلًا من المضيّ قدمًا في بناء تجارب ومختبراتٍ ضخمة بشكلٍ متواصل قد لا يتوقف أبدًا. جاء كلام البروفيسور دافيد كينغ في سياق تقريرٍ أعدته هيئة الإذاعة البريطانية BBC حول مشروع المصادم الدائريّ الجديد (للمزيد من التفاصيل: اضغط هنا).

إذًا ما هي الكلفة المنتظرة من هكذا مشروع؟ بحسب المقترح الحاليّ، فإنه من المقدر أن تبلغ كلفة المشروع ككل حوالي 24 مليار يورو، منها 5 مليارات تُنفق على بناء القناة الدائرية الضخمة، بالإضافة إلى 4 مليار يورو تُنفق على تنفيذ مصادم ليبتونات ينتهي بناؤه بحلول عام 2040 وأخيرًا 15 مليار يورو تُنفق على مصادر هادرونات ينتهي بناؤه بحلول عام 2050، حيث من المتوقع أن يتطلب التصميم الكامل للمشروع حوالي 20 سنة. بالمقارنة، فإن مصادم الهادرونات الكبير الحاليّ قد اقترح للمرة الأولى عام 1984، وتمت الموافقة على المشروع عام 1994 وانتهى تنفيذه عام 2009 ومن المتوقع أن يستمر بعمله حتى 2035.

لا يزال مشروع المصادم الدائريّ المستقبليّ قيد الدراسة، وقد لا يُبصر النور أبدًا، إلا أنه سيكون من الرائع مشاهدة ما سيجلبه مثل هكذا مشروع من اكتشافاتٍ جديدة للبشرية عمومًا وللفيزياء خصوصًا. 

المصادر: 

  1. تقرير الوكالة الأوروبية للأبحاث النووية حول مشروع المصادم الدائريّ
  2. موقع Science News
  3. موقع The Verge

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى