المساحة الإخبارية

[الاحتباس الحراري] تزايد قلق وغير متوقع لمُستويات غاز ثاني أوكسيد الكربون CO2

تتزايد التحذيرات والأنباء غير السارة المتعلقة بقضايا تغير المناخ والاحتباس الحراريّ والناتجة بشكلٍ أساسيّ عن الارتفاع الكبير في مستويات غاز ثاني أوكسيد الكربون CO2 في الجو. كنا قد نشرنا سابقًا خبرًا من هيئة الأرصاد البريطانية مفاده أن عام 2019 قد يشهد ارتفاعًا قياسيًا في مستويات CO2 في الجو، والآن يأتي تأكيدٌ رسميّ على هذا التوقع عبر البيانات المسجلة من مرصد ماونا لاو Mauna Loa في هاواي.

أظهرت البيانات الحديثة أن تركيز غاز ثاني أوكسيد الكربون في الجو قد وصل إلى 415.26 جزيء بالمليون ppm، وهو ليس فقط أعلى تركيز يتم تسجيله منذ بدء عمل مرصد ماونا لاو في خمسينات القرن الماضي، وإنما يمثل أعلى تركيز يتم تسجيله ضمن تاريخ النشاط البشري بالكامل. فضلًا عن ذلك، يؤكد التسجيل الجديد كافة التوقعات السابقة بأن النشاط البشريّ الصناعي المتمثل في حرق الوقود الأحفوريّ (نفط، غاز، فحم حجري) هو المسبب الأساسي في ارتفاع تركيز غاز ثاني أوكسيد الكربون في الجو.

لتوضيح أهمية هذا الأمر، يجب تسليط الضوء على بعض الأمور الهامة المتعلقة بالمناخ: ينتمي غاز ثاني أوكسيد الكربون لفصيلةٍ من الغازات المعروفة بـ “الغازات الدفيئة Greenhouse Gases” التي تمتلك قدرةً على “حبس” الحرارة وإبقائها بالجو. هذه الفصيلة من الغازات ضرورية جدًا للتوازن البيئي والمحافظة على درجة حرارة الكوكب بطريقةٍ تساعد على نشوء الحياة في الأنظمة البيئية المختلفة. المشكلة الأساسية أن تزايد تركيز هذه الغازات في الجو سيعني مزيدًا من الحرارة التي سيتم احتباسها في الجو، أي تزايد درجة حرارة الكوكب ككل، وهذا بدوره قد يؤدي إلى اختلال توازن الأنظمة البيئية بطريقةٍ قد لا يمكن التنبؤ بها. أول النتائج التي تم تسجيلها كنتيجةٍ أساسية للاحتباس الحراريّ هي ذوبان ثلوج القطبين التي ستساهم بدورها لرفع مستويات مياه البحار والمحيطات، وهو ما بدوره قد يكون لاختلال التوازن الحراريّ في المحيطات.

تمتلك البيانات المسجلة أهميةً بالغة كونها تسلط الضوء على العديد من الأمور الهامة: أولًا، المستوى الجديد لتركيز غاز ثاني أوكسيد الكربون هو الأعلى منذ ملايين السنين، وتحديدًا، وطبقًا للسجلات الأحفورية الجيولوجية، فإن آخر مرة وصل تركيز غاز ثاني أوكسيد الكربون في الجو لمثل هذه القيمة كان منذ 3 ملايين سنة. الصورة التالية تظهر كيفية تزايد غاز ثاني أوكسيد الكربون على مدار فترةٍ زمنية قدرها 10 آلاف سنة، ويظهر بوضوح حصول قفزةٍ هائلة خلال آخر مئتين سنة، تحديدًا منذ بدء الثورة الصناعية:

الأمر الثاني الهام الذي تكشفه البيانات الجديدة هو عدم تحسن الوضع فيما يتعلق بالنشاط البشريّ المؤدي لتزايد مستويات غاز ثاني أوكسيد الكربون، فقد كان يبلغ معدل التزايد السنويّ 2.5 جزيء بالمليون ومع البيانات الجديدة تبين أن المعدل قد وصل إلى 3 جزيء بالمليون مع توقعٍ بتزايد هذا المعدل في حال استمرار النشاط البشريّ الصناعيّ على حاله بدون أي تغيير. الصورة التالية تظهر تزايد تركيز ثاني أكسيد الكربون في الجو بدءًا من 1965، كما أنها تظهر تسارعًا في معدلات الزيادة نفسها خلال السنوات الأخيرة. حقوق ملكية الصورة: Kevin Pluck.

هذه الأمور كلها تقود إلى النقطة الأساسية المتعلقة بمشاكل الاحتباس الحراري: ارتفاع درجة حرارة الكوكب. تمكن العلماء من تسجيل ارتفاعٍ قدره 1.5 درجة مئوية في درجة حرارة الكوكب منذ بدء الثورة الصناعية، وتنصب الجهود حاليًا على عدم تجاوز ارتفاعٍ إجماليّ قدره 2 درجة مئوية بالمقارنة مع درجة حرارة الكوكب في فترة ما قبل النشاط الصناعيّ، وتنصب حاليًا الجهود على إبقاء عتبة تزايد درجة حرارة الكوكب عند 1.5 درجة مئوية. بلغة الأرقام، هذا الأمر يعني أنه وبحال بعث ما بين 420 وحتى 570 مليار طن من غاز ثاني أوكسيد الكربون في الجو، فإن احتمال المحافظة على عتبة 1.5 درجة مئوية ستكون 66%. المشكلة أن هذه القيمة من الانبعاثات تعادل 12 سنة فقط من النشاط البشريّ الصناعيّ، بمعنى أنه وفي حال بقيت انبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكربون على قيمها الحالية (علمًا أنها تتزايد)، فإن البشرية وخلال 12 سنة ستتجاوز الحد الأقصى من إجماليّ الانبعاثات المسموحة، وستتزايد درجة حرارة الكوكب بما يتجاوز عتبة 2 درجة مئوية، وعندها ستكون كل الاحتمالات مفتوحة أمام سيناريوهات تغير المناخ واختلال التوازن البيئي.

بأخذ هذه المعلومات بعين الاعتبار، وبحسب آخر تقارير الفريق الدولي لتغير المناخ Intergovernmental Panel on Climate Change، يتوجب على كافة الدول على الكوكب أن تعمل بشكلٍ جمعيّ على تخفيض انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون بشكلٍ تدريجيّ خلال مدةٍ قدرها 30 سنة حتى تصل إلى الصفر، وذلك من أجل ضمان عدم حصول سيناريو تغير مناخي قد لا يمكن التنبؤ بنتائجه ومآلاته.

يجب ذكر أن النشاط البشريّ وحده لا يُمثل المصدر الوحيد لتقلبات المناخ أو تغير مستويات ثاني أوكسيد الكربون في الجو، فبعض الحوادث الطبيعية مثل انفجارات البراكين وظاهرة “إل-نينو El Nino” التي ينتج عنها تزايد في درجة حرارة نتيجة تيارات محيطية دافئة. توقع أيضًا علماء الأرصاد الجوية أن يشهد العام الحاليّ ظاهرة “إل-نينو”، وهو ما قد يساهم بجعل الوضع الأسوأ، أي أن تأثير النشاط البشري سيضاف على تأثير الظواهر الطبيعية والنتيجة ستكون تغيرًا سريعًا في المناخ.

في الوقت الراهن، فإن أفضل الحلول الدولية التي تم التوصل إليها هو اتفاقية باريس للمناخ التي تم توقيعها سنة 2015، والتي تفرض على الدول إيجاد الحلول المناسبة لها من أجل ضمان خفض انبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكربون بما يؤدي بالنتيجة لعدم تجاوز زيادة درجة حرارة الكوكب 2 درجة مئوية قياسًا بفترة ما قبل النشاط الصناعي. على الرغم من ذلك، فإن بيانات المراصد والمعلومات المسجلة حول النشاط الصناعي تظهر تزايدًا في انبعاث الغازات الدفيئة واستمرار مؤشرات تغير المناخ.

المصادر: [Scientific America] – [World Economic Forum]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى