المساحة الإخبارية

[في سبقٍ علميّ]: الكشف عن حالةٍ جديدة للمادة ضمن النواقل ذاتية الاندفاع

أعلن فريقٌ بحثيّ من جامعة بيتسبرغ Pittsburgh University عن توصلهم لاكتشاف حالةٍ جديدة للمادة تنتج عبر حركة الإلكترونات ضمن نوعٍ محددٍ من الناقلية يعرف باسم الناقلية ذاتية الاندفاع Ballistic Conduction.

حول الناقلية ذاتية الاندفاع

عند حركة الإلكترونات ضمن المادة (سواء كانت نصف ناقلة أو معدنية) فإنها ستتعرض لحوادث تشتت Scattering، أي أنها لن تستطيع المحافظة على مسارٍ مستقيم، وسبب هذا التشتت هو عيوب هيكلية في المادة أو تصادم الإلكترونات مع جزيئاتٍ وجسيماتٍ أخرى. المقاومة Resistance هي الخاصية التي تعبر عن هذا الشيء والتي تظهر عادةً على شكل ارتفاع في حرارة المادة نتيجة حركة الإلكترونات ضمنها والتشتت الحاصل للإلكترونات أثناء مرورها ضمن المادة. الناقلية تعريفًا هي قدرة المادة على تمرير الإلكترونات وهي تعاكس تمامًا المقاومة.

تمتلك المواد درجاتٍ وأنواع مختلفة من الناقلية، وحتى ناقلية المادة نفسها تختلف بحسب شروطٍ مختلفة، وبهذا المجال يبرز مصطلح “الناقلية ذاتية الاندفاع Ballistic Conductance” للإشارة إلى الحالة التي تستطيع عبرها الإلكترونات المرور ضمن المادة بحريةٍ كبيرة وبدرجة مقاومة شبه مهملة بسبب غياب حوادث التشتت. بدون وجود تشتت لن يكون هناك تباطؤ بالحركة، وبالتالي ستكون العطالة شبه مهملة والاندفاع سيمتلك قيمة أعظمية، وهذا هو سبب تسمية هذه الحالة بأنها ناقلية ذاتية الاندفاع.

تختلف الناقلية ذاتية الاندفاع عن الناقلية الفائقة Superconductivity، والتي تشير أيضًا للحالة التي تستطيع فيها الإلكترونات الحركة ضمن المادة بمقاومةٍ معدومة، فالناقلية الفائقة هي إحدى حالات المادة المرتبطة بحصول تأثير فيزيائي يُعرف باسم “تأثير مايسنر Meissner Effect“، بينما ترتبط الناقلية ذاتية الاندفاع بمفهوم “متوسط المسار الحر Mean Free Path” والذي يشير لمتوسط طول المسار الذي يستطيع ضمنه الإلكترون أن يتحرك بحرية ضمن المادة دون حصول حوادث تشتت، ويمكن زيادة متوسط طول المسار الحر عبر تخفيض عدد الشوائب في المادة نفسها. يتم تصنيف حالة الناقلية على أنها ذاتية الاندفاع عندما يكون متوسط طول المسار الحر أكبر من أبعاد الوسط الذي سينتقل عبره الإلكترون. عادةً ما يتم تشبيه حركة الإكترونات بحالة الناقلية ذاتية الاندفاع بحركة السيارات على الطرقات السريعة، والتي تستطيع فيها السيارات الحركة بدون عوائق تذكر، بخلاف حركتها بشوارع المدن المزدحمة التي تتضمن الكثير من العوائق ما يُسبب تباطؤًا في حركة السيارة.

حول الاكتشاف الجديد

بالنسبة للإعلان الجديد، لاحظ الباحثون في قسم الفيزياء والفلك ضمن جامعة بيتسبرغ أنه وعند حركة الإلكترونات ضمن نظامٍ ناقل أحاديّ البعد وبدون أي تشتت (أي بحالة الناقلية ذاتية الاندفاع) فإنه يمكن للإلكترونات أن تنجذب لبعضها البعض لتشكل تجمعاتٍ من إلكترونين، ثلاثة إلكترونات، أربعة أو حتى خمسة، بحيث يسلك كل تجمع سلوكًا فريدًا وكأنها تشكل نوعًا جديدًا من الجسيمات، أي نوعًا جديدًا من المادة.

بحسب جيريمي ليفي Jeremy Levy، البروفيسور في مجال فيزياء المادة الكثيفة وأحد مؤلفي الورقة البحثية الجديدة، فإنه يمكن تشبيه مشاهداتهم التجريبية المتعلقة بتجمع الإلكترونات مع بعضها البعض لتشكيل نمطٍ جديد من المادة بكيفية ارتباط الكواركات* بهدف تشكيل البروتونات والنترونات. من أجل فهم الاكتشاف بأفضل شكلٍ ممكن، كان على الباحثين ملاحظة كيف ساهمت النواقل ذاتية الاندفاع بتنظيم سلسلةٍ من التجمعات الإلكترونية المشابهة لمثلث باسكال‌** Pascal’s Triangle.

يقول البروفيسور ليفي:” إذا نظرت لمثلث باسكال عبر اتجاهاتٍ مختلفة ستلاحظ وجود أنماطًا مختلفة من الأرقام، وأحد هذه الأنماط كان 1،3،6،10،15،21، ونحن شاهدنا نفس هذه السلسلة ضمن المعطيات التجريبية التي حصلنا عليها، وهو الدليل الذي تحول لتحدي يدفعنا لفهم ما يحصل بالفعل. تطلب منا فهم الاكتشاف الجديد بعض الوقت لأننا لم ندرك ببداية الأمر أننا ننظر لجسيماتٍ جديدة تتشكل من إلكترونٍ واحد، إلكترونين، ثلاث إلكترونات وهكذا، ولكن عندما نقوم بجمع كل الأمور مع بعضها، يمكن مشاهدة سلسلة لتجمعات إلكترونية مشابهة لتلك في مثلث باسكال والتي تتكون من 1،3،6،10″.

مثلث باسكال

مثلث باسكال: كل عنصر داخل المثلث هو نتيجة جمع العنصرين الأعلى منه

يتابع البروفيسور ليفي حديثه حول أهمية الاكتشاف الجديد، إذ يجد أن الخصائص الجديدة للجسيمات المكتشفة تتعلق أيضًا بمفهوم الترابط الكموميّ Quantum Entanglement والذي يمكن استخدامه في مجال الحوسبة الكمومية Quantum Computing، وبالتالي فإن الاكتشاف الجديد سيلعب دورًا كبيرًا في دفع الفيزياء الكمومية خطوةً إضافية للأمام.

“اكتشفت البشر خلال الثورة الكمومية الأولى أن العالم المحيط بهم محكومٌ بقوانين الفيزياء الكمومية، وهذا الاكتشاف قاد لفهمٍ أفضل للجدول الدوريّ، كيف تتصرف المادة وساهم في تطوير الترانزيستورات، الحواسيب وأجهزة التصوير بالرنين المغناطيسيّ وتقنية المعلومات. الآن وفي القرن الواحد والعشرين فإننا ننظر نحو التنبؤات الغريبة للفيزياء الكمومية ونحاول استثمارها واستغلالها. عند الحديث عن التطبيقات فإننا نفكر دومًا بالحوسبة الكمومية، النقل الكمومي عن بعد، الاتصالات الكمومية والتحسس الكمومي، أي أننا نتحدث عن التطبيقات التي تعتمد على الطبيعة الكمومية للمادة والتي قمنا سابقًا بإهمالها”. وذلك بحسب البروفيسور ليفي في توضيحه حول أهمية الاكتشاف الجديد والأفق التي يمكن أن يتيحها.

لمزيدٍ من التفاصيل حول الاكتشاف الجديد وأهميته وتفاصيله، يمكن مشاهدة الفيديو التالي من قناة البروفيسور جيريمي ليفي على يوتيوب والذي قام ببثه فور الإعلان عن الورقة البحثية الجديدة:

تم نشر نتائج البحث ضمن ورقةٍ علمية في مجلة Science بتاريخ 14 شباط/فبراير، ويمكنكم الاطلاع عليها ضمن الرابط التالي: اضغط هنا.

المصدر: [Phys.org]

هوامش

(*) الكواركات Quarks: أحد أنماط الجسيمات الأولية دون الذرية التي تتحد مع بعضها البعض لتشكل نمطًا أكبر من الجسيمات يعرف باسم الهادرونات Hadrons، وأشهرها البروتونات والنترونات المتواجد ضمن نواة الذرة.
(**) مثلث باسكال Pascal’s Triangle: في عالم الرياضيات، يمثل مثلث باسكال مصفوفة عددية لسلسلة رياضية. المثلث مقسم لعناصر المصفوفة، بحيث تمتلك العناصر المتوضعة على ضلعي المثلث الخارجيين القيمة العددية 1. بدءًا من أعلى المثلث، يتم تشكيل العناصر الداخلية عبر جمع قيمة كل عنصرين متجاورين وإسناد الناتج للعنصر المتوضع أسفلهما.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى