المساحة الإخبارية

في إنجازٍ جديد: مزج الضوء على المستوى النانوي

هنالك سباق يجري بشكلٍ متواصل وبدون أن نشعر به: سباق التقنيين والباحثين من أجل جعل المكونات التي تتكون منها الحواسيب أصغر، وأسرع، وأكثر كفاءة على العمل، والهدف من هذه العملية (أي جعل المكونات صغيرة) هو فتح المجال أمام تطوير الأنظمة والمعالجات الحاسوبية لتصبح أقوى وأكفأ من ذي قبل. السباق يجري على عدة أشكال: هنالك من يعمل على تطوير التقنيات الحالية، وهنالك من يعمل على تطوير تقنياتٍ بديلة. وبالنسبة للتقنيات البديلة، فإن مصطلح “الحوسبة الضوئية” هو ربما من أشهر المصطلحات بهذا المجال، والمقصود هنا استبدال الدارات الحاسوبية المعتمدة على ناقلية الإلكترونات، بداراتٍ أخرى تعتمد على الطاقة الضوئية من أجل تمثيل البيانات والمعلومات وكافة عمليات المعالجة الحاسوبية. المشكلة التي تلوح في الأفق هي أن أساس العمليات الحاسوبية القائم على مزج إشارتي دخل للحصول على الخرج يتطلب في الوقت الحالي مساحة كبيرة وطاقة كبيرة، وذلك من أجل تطبيقه باستخدام التقنيات الضوئية.

وحالياً، قام مجموعة من المهندسين في جامعة بنسلفانيا على تطوير نظام من الأسلاك النانوية Nanowire والذي قد يساهم بتوسيع قدرات الأنظمة الحاسوبية العاملة على الضوء، حيث يقوم هذا النظام الجديد بدمج موجتين ضوئيتين من أجل إنتاج موجة ثالثة، تتمتع بترددٍ مختلف، ومن ثم يتم استخدام تجويف ضوئي من أجل تضخيم شدة الموجة الضوئية الخارجة، وذلك لتصبح مناسبةً لتطبيقاتٍ فعالة. تم نشر تفاصيل البحث الجديد في مجلة Nature Communication.

Agarwal Mixed Light_0
صورة حقيقية تظهر الضوء المنبعث من القفص الضوئي الخاص بتجربة المهندسين في جامعة بنسلفانيا. حقوق ملكية الصورة: جامعة ولاية بنسلفانيا Penn State University

تقوم الأنظمة الحاسوبية الحالية باستخدام الإشارات الكهربائية من أجل ترميز البيانات والمعلومات الثنائية (الأصفار ‘0’ والواحدات ‘1’)، وتقوم عناصر الدارات الكهربائية – مثل الترانزستور – بتوليد المعلومات اعتماداً على حالاتها الكهربائية: حيث يمكن اعتبار الصفر هو حالة عدم مرور تيار كهربائي، بينما حالة واحد تمثل مرور التيار الكهربائي، وحسب عمل الترانزستور، فإنه يتم توليد حالات الخرج المطلوبة (سواء كانت واحدات أو أصفار) من حالات الدخل (والتي أيضاً تكون واحدات وأصفار).

يقول ريتش أغاروال بروفيسور علم المواد في جامعة بنسلفانيا :” إن المزج ما بين إشارتي دخل للحصول على الخرج هو أساس العمليات الحاسوبية. من السهل القيام بذلك اعتماداً على الإشارات الكهربائية، ولكنه من الصعب القيام بذلك باستخدام الضوء، وذلك لأن الموجات الضوئية لا تتفاعل مع بعضها البعض بشكلٍ طبيعي “.

قد تبدو الصعوبة الكامنة في “مزج” الضوء بديهية، وذلك عندما نأخذ بعين الاعتبار سلسلة الألوان المتنوعة التي نشاهدها على شاشات التلفاز أو شاشات الحواسيب، والتي يتم توليدها عبر تشكيلاتٍ متنوعة من ثلاثة ألوان أساسية: الأحمر، الأخضر، الأزرق، والتي تشكل عناصر الصورة (البيكسل Pixel) الأساسية. بالنسبة لعناصر الصورة ذات الألوان الصفراء، البرتقالية، والبنفسجية، فإن رؤيتها هو عبارة عن خدعة إدراكية بصرية، وليس أمراً أو ظاهرة فيزيائية. الأحمر والأزرق تظهر بشكلٍ تلقائي، بدلاً من أن يتم مزجها لتكون موجة ضوئية خاصة باللون البنفسجي. بمعنى آخر، فإنه لا يحدث عملية فيزيائية لـ “مزج” الألوان الأساسية لتوليد الألوان الأخرى في شاشات التلفاز أو شاشات الحواسيب، لأن ذلك ينطوي على توليد أمواجٍ ضوئية جديدة، وبدلاً من ذلك، فإن ما يحصل هو استغلال لظاهرة خداع البصر الإدراكي لدى الإنسان.

بالنسبة لمزج الأطوال الموجية الأساسية لتكوين أطوال موجية جديدة، أي عملية مزج اللونين الأزرق والأحمر لتكوين اللون البنفسجي، فإنه يمكن إجراؤها عبر استخدام ما يعرف بـ “المواد اللاخطية Non-Linear Materials”. مع ذلك، فإن أفضل المواد اللاخطية المعروفة تبقى غير مناسبة ولا تتمتع بالوثوقية المناسبة كي يتم استخدامها بالتطبيقات الحاسوبية، وذلك بسبب التقييدات الخاصة بالاستهلاك العالي للطاقة والحجم الكبير الخاص بها.

يقول مينغ-لينانغ رين، المشارك بالبحث :” يمكن لمادةٍ لا خطية مثل كبريت الكادميوم، أن تقوم بتغيير تردد الموجة الضوئية المارة عبرها، مما يعني تغيير طولها الموجي وبالتالي لونها. ولكن تحقيق هذه العملية يتطلب استخدام ليزر قوي وذو طاقةٍ عالية، فضلاً عن ذلك، فإن المادة يجب أن تكون بسماكةٍ من رتبة الميكرومتر، وحتى من رتبة الميللي متر، ومثل هكذا سماكات غير مناسبة من أجل تصنيع رقاقةٍ حاسوبية فعالة “.

وبهدف تخفيض حجم المادة وتقليص مقدار الطاقة اللازم من أجل إجراء عملية مزج ضوئي، فإن الباحثون بحاجة لطريقةٍ تمكنهم من تضخيم شدة الشعاع الضوئي المار عبر السلك النانوي المصنوع من كبريت الكادميوم.

تمكن الباحثون من إنجاز ذلك عبر استخدام حيلةٍ ذكية من الهندسة البصرية: قاموا بإجراء تغليفٍ جزئي للسلك النانوي ضمن قشرةٍ من الفضة والتي تتصرف بطريقةٍ مشابهة لغرفة الصدى. قام الفريق البحثي باستخدام تصميمٍ مشابه سابقاً من أجل تكوين جهاز ضوئي يقوم بالتبديل بين الحالات (عمل/لا عمل On/Off) بسرعةٍ كبيرة. تعتمد جودة التصميم على ظاهرةٍ تعرف بـ ” رنين البلاسمون السطحي Surface Plasmon Resonance “. ما أضافه الباحثون للتصميم الجديد هو قيامهم بتغيير استقطاب الضوء الداخل إلى السلك النانوي، مما مكنهم من ضبط عملية تغيير تردد الضوء بشكلٍ أفضل، وهو الجزء اللاخطي من الجهاز.

device schematic FULL
صورة توضيحية للقفص الضوئي الذي تم تشكيله من أجل إجراء التجربة. حقوق ملكية الصورة لجامعة ولاية بنسلفانيا.

يقول مينغ رين :” قمنا بتصميم وهندسة البنية بطريقةٍ مميزة، حيث ساهمت البنية الجديدة باحتواء أكبر من الضوء الوارد ضمن السلك النانوي المصنوع من كبريت الكادميوم، وهذا الأمر قد ساهم بتكبير الشدة الضوئية أثناء توليد التوافقية الثانية، أي الموجة الضوئية الجديدة “.

يمكن تشفير المعلومة ضمن نظام حاسوبي ضوئي ضمن تردد الموجة الضوئية، حيث يمثل التردد عدد المرات التي تهتز فيها الموجة خلال ثانيةٍ واحدة. امتلاك القدرة على التلاعب بالأمواج الضوئية بهذه الطريقة، أي تعديل ترددها وتضخيمها، هو أمرٌ هام وسيسمح بالتأسيس للمنطق الحاسوبي الخاص بالحواسيب الضوئية.

يقول ريتش أغاروال :” نحن نريد أن نظهر أنه يمكننا جمع ترددين مختلفين للأمواج الضوئية، ومن أجل ذلك قمنا بتبسيط التجربة وذلك عبر أخذ تردد واحد وإضافته لنفسه، وبالتالي، ستحصل على ترددٍ مضاعف في الخرج. بالنهاية، نأمل أن نتمكن من ضبط الضوء بحيث نحصل على أي ترددٍ نريده، وهو الأمر الذي يمكن إجراؤه بتعديل حجم السلك النانوي”.

بكل الأحوال، فإن الأمر الأكثر أهمية يبقى التمكن من مزج الترددات ضمن المستويات النانوية وبدقةٍ عالية. وكنتيجة، فإن القفص الضوئي للباحثين قد سمح بتضخيم شدة موجة الخرج بحوالي 1000 مرة.

المصدر: [Penn-State]

للاطلاع على الورقة البحثية المنشورة في مجلة Nature: اضغط هنا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى