كيف يقوم الدماغ بترشيح الإشارة من الضجيج
عندما تنتظر بصحبة صديق لعبور تقاطع مزدحم مع أصوات محركات السيارات وأبواقها وضجيج المدينة من حولك، يكون دماغك مشغولاً بمعالجة كل تلك الأصوات. ولكن بطريقة ما يستطيع جهاز السمع البشري ترشيح الضجيج الغريب ويمكنّك من سماع كلام صديقك. ولكن في حال حاولت أن تسأل هاتفك سؤالاً ما فإن Siri سيواجه مشكلة في ذلك.
تظهر دراسة جديد قدرة دماغ الثدييات على تمييز الإشارة من الضجيج. تستطيع خلايا الدماغ في باحة السمع الأولية تقليل الضجيج وزيادة تضخيم الإشارة. تظهر النتائج كيف يقوم الدماغ بمعالجة الصوت في البيئات التي تحوي ضجيجاً، الأمر الذي سيساعد في النهاية على تطوير أجهزة تعرف على الصوت أفضل من الحالية، بالإضافة إلى تحسينات في أجهزة الزرع الحلزونية للذين يعانون من نقص في السمع. وطبعاً تميكن Siri من فهمك في زاوية شارع مشوشة.
كانت نيما ميسغاراني وزملاؤها في جامعة ماريلاند مهتمين بالطريقة التي يفصل بها دماغ الثدييات الكلام عن ضجيج الخلفية. تملك القوارض نظاماً سمعياً يشبه نظيره عند البشر إلى حد كبير، فقام الباحثون بالنظر إلى منطقة A1 من القشرة الدماغية للقوارض التي توافق منطقة A1 السمعية الخاصة بنا، قامت القوارض المتنبهة والمزودة بالكترودات مزروعة بعناية بالاستماع إلى أصوات قوارض أخرى وأجزاء من كلام بشري. تم عرض كل من صوت القوارض والكلام البشري على حدة مع خلفية ضجيج أبيض، ومع ضجيج وردي (ضجيج مع طاقة متساوية عند كل الأوكتافات ذات المطال الأقل من الضجيج الأبيض) ومع الصدى، ثم أخذوا الإشارة العصبية التي تم تسجيلها عن طريق الالكترودات واستخدموا محاكاة حاسوبية لتمثيل الأصوات التي سمعها الحيوان.
أظهرت دراسة نشرت عام 2013 في مجلة PLOS Biology قام بها عالم الأعصاب السمعية أندرو كينغ ومخبره في جامعة أوكسفورد في انكلترا، أن خلايا الدماغ تستطيع تحسين الربح في استجابتها، من خلال زيادة توافق الإشارة مع الصوت المراد الإصغاء إليه، وتهميش الضجيج. يقول كينغ “الأمر المذهل أننا حصلنا على نفس النتائج، ذلك التطابق مهم للغاية.”
أما مجموعة ميسغاراني فقامت بعدة خطوات بعد ذلك، ووجدوا أن ترشيح الصوت لا يقتصر على تقوية الإشارة. أظهرت محاكاتهم أن خلايا الدماغ لا تحتاج إلى تقوية الإشارة فحسب بل تحتاج إيضاً إلى تثبيط الضجيج، يتضمن ذلك انخفاضاً في النشاط المشبكي، حيث تطلق الخلايا الدماغية استجابة أقل لبعض الإشارات، فتستجيب الباحة السمعية من القشرة الدماغية بشكل أقل لضجيج الخلفية، بينما تستجيب بشكل أكبر للكلام.
يقول شاهيب شاما عالم أعصاب إدراكية في جامعة ماريلاند وكاتب في الدراسة “عندما أتحدث إليك يخرج صوتي ويخبو على شكل موجات عندما أفتح وأغلق فمي، عملية ديناميكية بشكل كبير بينما الضجيج الأبيض ساكن كلياً، يتم تحسين الأصوات المتغيرة، بينما يتم تجاهل الأصوات المتكررة على فترة طويلة من الزمن.”
تنخفض القدرة على فهم الكلام بوجود الضجيج عند المرضى الذين يعانون من نقص في السمع، يقول كينغ “هذا هو التحدي الأكبر لشخص قام بزراعة حلزون.” تستطيع الخوارزميات التي تجمع بين تحسين الإشارات المهمة وتثبيط الضجيج المساعدة في جعل أنظمة التعرف على الكلام أكثر حساسية.
كما يضيف كينغ أن الدراسة الجديدة درست أصوات الكلام مع الضجيج العام. الخطوة التالية هي رؤية كيف يقوم الدماغ بترشيح الأصوات الأخرى والتركيز على صوت واحد، الظاهرة التي تدعى مشكلة حفل الكوكتيل. مع فهم أفضل لطريقة عمل نظامنا السمعي، قد تستطيع أجهزة الحلزون المزروعة وحتى الهواتف من التعرف على أصواتنا ضمن حشد ما تماماً كما نقوم نحن بذلك.
المصدر: موقع Sciencenews.org
تعليق واحد