تطوير حساس لاسلكي يقوم بإرسال ضغط الخلايا السرطانية
عادةً ما يكون الضغط الخلالي Interstitial Pressure ذو قيمةٍ مرتفعة ضمن نسيج سرطاني، وذلك بالمقانة مع الخلايا الطبيعية السليمة، ومن المعتقد أن هذه القيمة المرتفعة للضغط تسبب إعاقة لعملية وصول الأدوية والعوامل الكيميائية العلاجية، كما أن هذا الارتفاع يسبب أيضاً انخفاضاً في فعالية العلاج الإشعاعي للأورام السرطانية. وفي حين أن الأدوية الحالية تساهم بشكلٍ مؤقت بتخفيض قيمة ضغط الخلايا السرطانية، فإن تحديد الوقت الأمثل لبدء العلاج لا يزال تحدياً بالنسبة للعلماء. الآن، تمكن مجموعة من الباحثين في جامعة بوردو Purdue University من تطوير حساس جديد الذي يستطيع أن يقوم بتسجيل وقراءة قيم الضغط من داخل نسيج سرطاني وإرسالها خارج جسم لاسلكياً.
المحتوى تحت الضغط Contents Under Pressure
تحتاج الأنسجة السرطانية – مثلها مثل الأنسجة الطبيعية – إلى الأوكسجين والمغذيات كي تعيش وتنمو. ومن أجل تحقيق متطلبات النمو الخاصة بنسيجٍ سرطاني متنامي، تقوم الأوعية الدموية من النسج المحيطة بالنمو باتجاه السرطان. بعد ذلك، تقوم هذه الأوعية الدموية جديدة النشوء بالنمو بشكلٍ غير منتظم، حيث تأخذ أشكالاً ملتوية. يعتقد أن الضغط العالي الذي يشاهد عادةً ضمن الخلايا السرطانية هو نتيجة لعملية النمو والنشوء غير الطبيعية للأوعية الدموية، والتي تقوم بتسريب السوائل والبروتينات للمنطقة المتواجدة بين الخلايا السرطانية، والمعروفة باسم “الفراغ الخلالي Interstitial Space”.
ضمن الأنسجة الطبيعية، تقوم الاختلافات البسيطة بالضغط بسحب المغذيات من الأوعية الدموية إلى الفراغ الخلالي، حيث يمكن أن تقوم الخلايا بسحبها مرةً أخرى لتستفيد منها. تعتمد الأدوية والعقاقير التي تنتشر عبر الأوعية الدموية على هذه الفروقات في الضغط بهدف الوصول للخلايا. عندما يزداد الضغط في الفراغ الخلالي – كحالة الخلايا السرطانية – فإن الأدوية ستميل لمغادرة الأوعية الدموية بمعدلٍ أقل. كنتيجة لذلك، فإن المرضى الذين يعانون من نشوء أورام سرطانية ذات ضغط مرتفع سيتلقون فعلياً كمياتٍ ومعدلاتٍ أقل من جرعات الأدوية الكيميائية وغيرها من العوامل المقاومة للسرطانات. بالإضافة لذلك، فإن الضغط الخلالي المرتفع قد يساهم بانخفاض معدلات الأوكسجين ضمن النسج السرطانية، وبما أن المعالجة الإشعاعية تتطلب وجود الأوكسجين كي تكون فعالة، فإن الأورام السرطانية ذات الضغط المرتفع ستكون أقل تأثراً بالمعالجة الإشعاعية.
نافذة من الأمل Window of Opportunity
اقترحت العديد من الدراسات والتجارب السريرية استخدام صنف معين من الأدوية المضادة والمقاومة للسرطانات، وهو الصنف المعروف بـ “مثبطات الأوعية الدموية Angiogenesis Inhibitors” والتي قد تكون قادرة على تخفيض الضغط الخلالي بشكلٍ مؤقت مما يساهم بتحسين كفاءة العلاج الكيميائي والإشعاعي للأورام السرطانية. تعمل هذه المثبطات على منع نمو ونشوء أوعية دموية جديدة، وقد تم دراستها بشكلٍ مطول كوسيلة فعالة لوقف نمو النسيج السرطاني. مؤخراً، حصل العلماء على نافذة من الأمل بخصوص استخدام هذه المثبطات، حيث وجد أنها تساهم بجعل مسار التدفق الدم للنسج السرطانية يسير بشكلٍ طبيعي، وليس بالشكل غير المنتظم، كما تكون الحالة المرضية عليه.
بكل الأحوال، وبما أنه يوجد افتقار للطرق الفعالة لقياس وتحديد الضغط الخلالي للنسج السرطانية، فإن تحديد الوقت الأمثل لبدء المعالجة وتزويد المريض بالأدوية خلال الفترة التي يكون مسار التدفق الدموي طبيعياً لا يزال تحدياً كبيراً.
” في الوقت الحالي، فإن الوسيلة الوحيدة لقياس قيمة الضغط هي عبر إدخال إبرة ضمن الورم، وهو أمر غير عملي بالنسبة للتطبيقات السريرية “. كما يقول باباك زاعي Babak Ziaei، مدير مختبر الأجهزة الميكروية الطبية الحيوية بجامعة بوردو.
حساس ضغط لاسلكي A Wireless Pressure Sensor
بعد محادثاتٍ طويلة مع أخصائيي المعالجة الإشعاعية الورمية والذين تعاون معهم، قرر الدكتور زاعي أن يقبل التحدي وأن يقوم ببناء حساس ضغط للنسج الورمية، وقد أغري بحداثة المشروع والفكرة. “لم يقم أحد من قبل بتنفيذ هذا الأمر، أو حتى محاولة تنفيذ مثل هكذا حساس “. كما يقول الدكتور زاعي.
تمكن زاعي مع فريقه البحثي من تكوين حساس جديد يمكن زرعه ضمن نسيجٍ ورمي، حيث يقوم الحساس بإرسال قيمة ضغط السائل الخلالي للنسج الورمية بشكلٍ لاسلكي، وقد تم تكييف الحساس مع تقنيةٍ تم تطويرها بخمسينيات القرن الماضي، والتي تعرف باسم “كبسولة غويتون Guyton Capsule”. كبسولة غويتون عبارة عن كبسولة مثقبة، وهي تسمح للسائل الخلالي أن يمر عبرها عندما يتم زرعها. بعد أن يتم زرع هذه الكبسولة، يتم إدخال إبرة ضمنها من أجل تأمين وصول مباشر للسائل الخلالي بهدف قياس الضغط.
بالنسبة للحساس الجديد، فقد قام الدكتور زاعي باستخدام تقنيات تصنيع ميكروية خاصة Microfabrication Techniques، والتي سمحت له ببناء حساس ضغط صغري، وتم دمجه مع كبسولةٍ شبيهة بكبسولة غويتون، بما يؤمن توليد القراءات الخاصة بالضغط الخلالي بدون استخدام الإبرة.
قام زاعي بتجربة الحساس عبر زراعته ضمن نسيج ورمي متشكل ببنكرياس ضمن فأرة، وقد تمكنوا بشكلٍ فعال من مشاهدة انخفاض قيم الضغط الخلالي للنسج السرطانية بعد بدء استخدام مبثطات الأوعية الدموية.
بحسب تيفاني لاش Tiffani Lash، وهي مديرة مشروع تقنيات الحساسات في NIBIB، فإن هذا المشروع يمثل مثالاً رائعاً على قوة تقارب العلوم مع بعضها البعض، كما أن تكامل العلوم الفيزيائية الطبيعية مع المفاهيم الهندسية سيكون قادراً على حل العديد من المشاكل السريرية.
المصدر: موقع Phys.org