علوم البرمجةعلوم الحاسب

دليلك الأساسي لقدوم الآلات الذكية

تُشبه المخاطر التي يواجهها البشر عن طريق الذكاء الصُنعي الصورة الشعبية التي حصلنا عليها من فيلم “The Terminator”، الذي يُصوّر لنا الوحش الميكانيكي الخيالي الذي تميّز بعدة صفات: القوة، يمتلك دروعاً صلبة ،عنيد ولا يُقهر. لكن شخصية Arnie تفتقر لميزةٍ واحدة والتي تستحق أن نقلق منها بالفعل في العالم الحقيقي: الذكاء الشديد !

دماغ الإنسان ليس أكبر بكثير من دماغ الشمبانزي، لكن تلك الخلايا العصبية الإضافية هي التي تُشكّل فرقاً هائلاً، وكبشر، فإننا نتملك تعداداً سُكانياً من عدة مليارات، كما أنه لدينا صناعة مُتطورة، بينما لا يتجاوز عدد قردة الشمبانزي بضع مئات من الآلاف ويستخدمون أدواتٍ أساسية من الخشب. فضلاً عن ذلك، فإن قوة الدماغ البشري والذكاء الذي نتميز به هي التي سمحت لنا بالانتشار على سطح العالم وسطح القمر والتّنسيق لتشكيل مجموعاتٍ فعالة مع الملايين من الأعضاء. إذاً، منحنا الدماغ وما نتميز به من ذكاء قوةً كبيرة على العالم الطبيعي، الذي لم يعد يتحدد ببقاء العديد من الأصناف على قيد الحياة من خلال جهودهم الذاتية، وإنما بقرارات الحماية التي أدلى بها البشر.

في السنوات الـ 60 الماضية، تم تعزيز الذكاء البشري عن طريق الأتمتة، حيث تولت البرامج الحاسوبية مهاماً كان يؤديها الدماغ البشري سابقاً، وقد تم البدء بعمليات الضرب والعمليات الحسابية البسيطة، ثم أصبحت الحواسيب تقوم بتخطيط الطقس، والآن أصبحت تقود السيارات! ليس من الواضح كم من الوقت سيستغرق ذلك، ولكن من المُمكن أن يصل الذكاء الصُنعي في المستقبل إلى مستوى الذكاء البشري وما يفوقه.

الأذكى و الأذكى Smarter and Smarter
هناك أسباب واضحة للارتياب حول الذكاء الصُنعي الحقيقي والذي سيكون قوياً وذكياً بنفس الوقت، فعندما تكتسب الحواسيب القُدرة على تأدية المهام على المُستوى البشري، فهي تميل لأن تكون سريعة جداً، فتُصبح أفضل منّا بكثير. ولا يَعتقد أحد اليوم أنه من المعقول أن يستطيع الدماغ التّفوق حتى على آلة حاسبة للجيب في مسابقة قسمة مُطولة، وحتى مباريات الشطرنج بين البشر والحواسيب توقفت عن أن تكون مثيرة للاهتمام منذ عشر سنوات. الحواسيب تتميز بأنها تمتلك تركيز شديد على المهام المُنفذة، صبراً كبيراً، بالإضافة لسرعة المعالجة والذاكرة الكبيرة، وفي حال التوصل لبرامج نقية من الذكاء الصنعي، فإنها ستتمكن من نسخ نفسها عدة مرات، وتدريب كل نسخة على تسريع الحاسوب، وإذا تم توصيل هذه النسخ مع بعضها البعض، فإنها ستتمكن من تكوين تجمعٍ قوي ورهيب للذكاء الصنعي. تخيل الأمر كما يلي: توماس أديسون، بيل كلينتون، أفلاطون، آينشتاين، يوليوس قيصر، ستيفن سبيلبيرغ، ستيفن جوبز، بوذا، نابليون، وغيرهم من البشر فائقي الذكاء ضمن مجموعة مهارات متنوعة، يجلسون على المجلس البشري العالي ومتحدين جميعاً مع بعضهم البعض. سيستمر الذكاء الصنعي بنسخ نفسه دون توقف، ليشكل الملايين والمليارات من النسخ، وذلك إن كان بحاجة لعددٍ كبير من الأدمغة المفكرة التي تستطيع أن تحل أي مشكلة تواجهه.

الآن تخيل ما يلي: إذا كان من الممكن للذكاء الصنعي التنبؤ بكفاءة  أفضل في سوق الأسهم، فقد تتراكم ثروات هائلة، وإذا أكثر كفاءةً في النّصيحة والتعامل الاجتماعي فإنه قد يخلق مُساعد شخصي لكل إنسان، وبإمكانه حتى أن يحل تقريبا محل كل عامل في قطاع الخدمات. ولو أن الذكاء الصنعي فعال في إدارة الاقتصاد، لقام بعرض خدماته التي تقوم بذلك، مما يجعلنا تدريجياً نعتمد عليه كلياً، ولو أن الذكاء الصنعي يمتلك مهارةً كبيرة بمجال قرصنة واختراق الحواسيب، فهي بالتالي تمتلك القدرة على السيطرة على كافة أجهزة الحاسوب في العالم. إذاً، فإن الطرق التي يمكن أن يتطور فيها الذكاء الصنعي ليصبح قوةً حقيقة هي طرق متنوعة ومختلفة، ومن غير الصعب أن نتصور ونتخيل طرقاً أخرى.

إذا كان الأمر كذلك، وأن الذكاء الصنعي سيتمكن يوماً من السيطرة والتحكم بكل شيء، هل ينبغي لنا أن نتوقع أن يعاملوننا كما عاملنا قردة الشمبانزي والأصناف الأخرى؟ وهل الذكاء الصنعي سيُسيطر علينا تماماً كما نحن سيطرنا على تلك القردة الضخمة؟

مساعدٌ جداً Too Helpful
ليس من الضروري أن يكون الذكاء الصنعي خطير عندما يستطيع أن يكون قوي جداً، لكن المُشكلة تكمن أنه في حين أهدافه لا تحتاج إلى أن تكون سلبية فمعظم الأهداف المُمكنة تصبح خطرةً عندما يصبح الذكاء الصنعي قوياً للغاية. وبالنظر إلى عملية تصفية الرسائل غير المرغوب فيها “spam filter” والتي أصبحت تمثل تطبيقاً ذكياً، حيث تشمل مهام التطبيق خفض عدد الرسائل المُزعجة التي يتلقّاها الناس، وقد تكون أحد الحلول ببساطة مع القوة العظيمة قتل جميع مُرسلي الرسائل المزعجة، كما يمكنها أن تقرر أن يكون أكثر الحلول فعالية هو إيقاف شبكة الانترنت بالكامل، حتى بإمكانها أن تقرر أن الطريقة الوحيدة لإيقاف تلك الرسائل هو قتل الجميع في كل مكان.

أو حتى تصور أن الذكاء الصنعي قد تم تكريسه لزيادة سعادة الإنسان، والتي يتم قياسها عبر نتائج الإحصائيات المُختلفة، أو عن طريق بعض العلامات الكيميائية الحيوية في الدماغ، فستكون الطريقة الأكثر فعالية لإنجاز مهمته هي بأن يقضي على كل شخص يشير إلى نفسه على أنه غير سعيد في الإحصائية، أو حقن الجميع بشكلٍ قسري بموادٍ كيميائية حيوية لجعلهم سعداء!

هذا الأمر هو سمة عامة لمُحفّزات ودوافع الذكاء الصنعي: الأهداف التي تبدو آمنة بالنسبة لذكاء صنعي ضعيف أو مُتحكم به قد تؤدي إلى نشوء سلوكٍ مرضي في حال أصبح نظام الذكاء الصنعي قوياً، بينما لا يتوقع من البشر القيام بنفس السلوك، لأن أهدافنا تتضمن العديد من المعلومات الضمنية. عندما نسمع تصفية الرسائل غير المرغوب بها “filter out the spam” نحن أيضاً نقوم بإعطاء أمر يتضمن “لا تقتل الجميع في العالم” دون الحاجة إلى التعبير عن ذلك، وهو أمرٌ جيد على الرّغم من أن الفكرة صعبة من حيث التعبير عنها بشكلٍ واضح.

لكن الذكاء الصنعي قد يكون ذو عقليةٍ غريبة للغاية، فلا يمكننا أن نقوم بتجسيمه أو أن نتوقع منه أن يتصرف بالطريقة التي نتصرف نحن بها، يجب علينا أن نقوم بالتعبير عن كل القيود الضمنية التي تترافق مع أي أمر يراد تنفيذه من نظام ذكاء صنعي، وهذا الأمر قد يؤدي للوصول إلى حل.

وحتى إن فهم الذكاء الصنعي عبارة “filter out the spam” والتي ينبغي أن تأتي مع التحذير “لا تقتل الجميع”، فإنه لن يمتلك أية دافع للاستمرار وفقاً لروح القانون: دوافع ومحفزات الذكاء الصنعي هي برمجته، وليس ما يجب أن تكون عليه البرمجة.

في الواقع، فإنه يمكن أن يتم تحفيز ودفع الذكاء الصنعي ليقوم بإخفاء الميول المرضية طالما أنها ضعيفة، وهذا سيعني تأكيداً بالنسبة لنا أن كل شيء سيسير بشكلٍ جيد، وذلك عبر كل شيء يُقال أو يتم تنفيذه، وهذا يعود لأنه لن يكون قادراً على تحقيق أهدافه إذا تم إيقاف تشغيله لذلك وجب عليه الكذب لحماية نفسه من هذا المصير.

و ليس من المؤكد أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يصبح بهذه القوة أو سيكون خطيراً لهذه الدرجة، لكن إذا تم ذلك فاحتمالات كلاهما عالية بما فيه الكفاية بحيث أن الخطر لا يمكن صرف النظر عنه.

وفي الوقت الراهن، تُركّز أبحاث الذكاء الاصطناعي بشكلٍ أساسي على الهدف المُتمثل في خلق آلاتٍ أفضل، فنحن بحاجة إلى التفكير أكثر حول كيفية قيامنا بهذا بأمان. البعض قد عمل فعلاً على هذه المشكلة، لكنه لازال هنالك الكثير مما يتعين علينا إنهاؤه، وذلك على كلا الصعيدين: التصميمي والأخلاقي، هذا إذا كنا لا نريد أن تقوم آلاتنا المفيدة والمساعدة لنا بإزالتنا عن العالم.

ترجمة وإعداد: Bushra AlSabbagh

المصدر: موقع Phys.org

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى