قضايا علمية وهندسية

ما هي الـهندســـة Engineering

حسناً، أنت قد أنهيت مرحلة دراستك الثانوية، وتريد الآن دخول الجامعة. أحدهم نصحك بأن تدرس أحد الفروع الهندسية، وأنت تشعر بالحيرة. لماذا تشعر بالحيرة؟ لأنك لا تعلم بالضبط ما هي الهندسة، ولا تعلم بالضبط ماذا تستطيع أن تستفيد عبر دراستك للهندسة، ولا تعلم أيضاً إن كنت مؤهلاً وتمتلك القدرات اللازمة كي تدرس الهندسة أليس كذلك؟

بالبداية، وبعيداً عن أي تعريف أكاديمي أو علمي يتوجب أن نوضح الفكرة التالية: إذا كنت تبحث عن الإبداع، وتبحث عن الابتكار، وتبحث عن كيفية حل المشاكل، وتقديم المنتجات والتطبيقات المفيدة لحياة البشر، مكانك – حتماً – هو كلية الهندسة.

ماذا عن الطب؟ ماذا عن الفيزياء ؟ ماذا عن إدارة الأعمال ؟ ماذا عن باقي الفروع الجامعية؟ ممم…جميعها فروع دراسية رائعة، وجميعها تمتلك جانباً هاماً بحياتنا العملية، إلا أن أياً منها لا يرقى لدرجة الابتكار والإبداع المتضمنة بدراسة الهندسة.

ستسألنا: لماذا ؟ حسناً، وكي نكون أقرب إليك، سنتبعد بدايةً عن كافة التعاريف الأكاديمية المملة، وسندخل الموضوع من صلبه.

إن كنت تقرأ هذا المقال، فهذا يعني حتماً استخدامك للحاسوب، أو الحاسوب المحمول، أو هاتف ذكي، أو جهاز لوحي. هنا، يسرنا أن نقول لك أن أياً من هذه الابتكارات لم تكن لتتم لولا عبقرية المهندسين. وسنبدأ معك من الحاسوب نفسه.

الحاسوب الذي ظهر في أربعينيات القرن الماضي، كان نتيجة العمل الجبار الذي قام به المهندسون في الولايات المتحدة الأمريكية، من أجل إنتاج جهاز يستطيع إجراء العديد من العمليات الحسابية، بسرعةً وكفاءة. الأمر بدأ من أجل الأغراض العلمية والعسكرية. ثم ظهر اختراع رائع غير وجه التقنية للأبد: المهندس العظيم وليام شوكلي يقدم للعالم “الترانزستور”. لعلك قد سمعت بالترانزستور أثناء دراستك الثانوية، ولكن لم يتم تسليط الضوء على أهمية هذا الاختراع العظيم كما يجب. ببساطة، فإن اختراع الترانزستور قد ساهم بظهور ما يعرف بـ “الدارات المتكاملة” والتي سمحت بتصغير حجم الحاسوب بشكلٍ هائل، ليس ذلك فقط، بل سمحت أيضاً بزيادة قدراته وسرعته وأدائه. عملية تصغير حجم الحاسوب، وتطور تقنية الدارات المتكاملة، تمت عبر مهندسين يعملون ضمن شركات تقنية متنوعة: IBM, Bell Labs,Texas Instrumetns…وغيرها.

منذ ذلك الوقت واليوم، يعمل المهندسون على تطوير تقنية الدارات المتكاملة، وتطوير الحواسيب لتصبح أسرع، أفضل، وأصغر، حتى أصبحنا اليوم نتعامل مع الهواتف الذكية، والحواسيب اللوحية، والتي كانت خيالاً بالنسبة للبشر في القرن الماضي.

كيف يقوم المهندسون بذلك ؟ هذا الأمر يقودنا الآن لتعريف “الهندسة”.

يمكن القول أن الهندسة هي:

عملية تصميم وابتكار البنى الكبيرة أو الأنظمة والمنتجات الجديدة عبر استخدام الطرق والأساليب العلمية.

أو

هي تطبيق مجموعة المعارف العلمية، الاقتصادية، الاجتماعية، والتطبيقية، من أجل ابتكار وتصميم وبناء والمحافظة وتحسين البنى المادية، الآلات، الأجهزة، المواد، ومختلف أنماط العمليات. (حسب موسوعة ويكيبيديا الانجليزية).

يمكننا أيضاً تعريف الهندسة استناداً لمجلس المهندسين الأمريكيين للتطوير الاحترافي:

” هي عملية التطبيق المبتكر والمبدع للمبادئ العلمية من أجل تصميم وتطوير البنى، الآلات، الأدوات، أو عمليات التصنيع، أو الأعمال المختلفة عبر استخدام أحدها أو عبر دمجها مع بعض، أو من أجل بناء وتشغيل نفس التطبيقات الموجودة عبر استخدام المعرفة الكاملة لتصميمها، أو من أجل بناء توقعات حول سلوك الأجهزة والعمليات المختلفة تحت ظروف تشغيل معينة، مع الأخذ بعين الاعتبار إجراء كافة العمليات السابقة بناءً على هدفٍ مقصود، من تحقيق اقتصادية التشغيل أو سلامة الحياة والممتلكات. “

نستطيع أن نلاحظ من التعاريف السابقة أنها تشمل الهندسات الإنشائية (المعمارية والمدنية) والهندسات التقنية (الالكترونيات، الحواسيب، الاتصالات، الكهرباء…). بالنسبة لنا، فإننا سنقصر اهتمامنا على الهندسات التقنية.

الآن، وبالعودة للسؤال الأساسي: كيف يقوم المهندس بعمله؟ كيف يقوم بابتكار التطبيقات المفيدة في حياتنا اليومية، وكيف يبدع بإيجاد الحلول المختلفة للمشاكل التي تواجهنا ؟

لو نظرنا على التعاريف السابقة، لوجدنا أنها تشتمل على عدة مفاهيم أساسية: المعارف والمبادئ العلمية، الطرق والمناهج العلمية، مشاكل يراد حلها، تطبيقات جديدة ومفيدة.

ما يقوم به المهندس فعلياً هو الربط بين المفاهيم السابقة:
فالمهندس إما يريد أن يحل مشكلة معينة، أو يريد أن يبتكر تطبيقاً جديداً يساهم بجعل حياتنا أسهل وأكثر أريحية. الحاسوب كمثال، يتضمن تسخيراً هائلاً للمبادئ الفيزيائية والرياضية من أجل تحقيق ذلك. فالفيزياء، تقدم لنا التوصيف اللازم للظواهر الطبيعية وكيفية عملها وتفاعلها مع بعضها البعض، والرياضيات تقدم لنا الأدوات الدقيقة التي تستطيع أن تحسب وبشكل عددي كيفية تغير هذه الظواهر وتفاعلها مع بعضها البعض. وبالنسبة للحاسوب، فإننا نريد أن نعرف كيفية الاستفادة المبادئ الفيزيائية في علوم الالكترونيات والمعادلات الرياضية التي توصف هذه الظواهر، من أجل بناء دارات وأجهزة تنفذ العمليات المطلوبة. هنا يأتي دور المهندس، الذي يبدع بالحل المطلوب ويقدم لنا أحد أهم الاختراعات عبر التاريخ: الترانزستور. عنصر الكتروني، يمكن عبره تمثيل المعلومات اعتماداً على قيمتين: (0) و (1)، حيث يشير الصفر لعدم مرور التيار الكهربائي، بينما يشير الواحد إلى مروره. الآن، وعبر الاستفادة من قوانين الجبر المنطقي، وقوانين جبر بول، وبناء داراتٍ رقمية اعتماداً على الترانزستور، تمكن المهندسون من تصنيع نواة الحاسوب: المعالج. وعبر إجراء تعديلات بكيفية وصل الترانزستورات مع بعضها البعض، تمكن المهندسون أيضاً من تصنيع العناصر الأخرى التي تساعد المعالج بعمله وتؤدي لتشكيل الحاسوب الكامل: الذواكر، السجلات، بوابات إدخال وإخراج المعلومات. الآن نضيف المعارف الفيزيائية الخاصة بالالكترونيات الضوئية، ونستفيد أيضاً من المعارف الخاصة بالالكترونيات الصوتية، ثم نستغل الخوارزميات الرياضية كي نقوم بإنشاء لغات البرمجة، فنحصل بالنتيجة على حاسوبٍ متكامل، يتكون من وحدة معالجة، تتصل مع شاشة تشكل وسيلة تخاطب بيننا وبين المعالج، وبطاقات صوتية من أجل تنبيهنا للعديد من الأمور وتسمح لنا بتشغيل ملفات الوسائط المتعددة (صوت، فيديو..). أليس أمراً رائعاً ؟

المثال السابق، هو مثال شديد الاختصار، عما يمكن للمهندسين أن يقوموا به. وحتى عملية اختراع الحاسوب نفسه، لم تتوقف عند حدٍ واحد، فوظيفة المهندس أيضاً هي تحسين المنتج والابتكار الذي قام به، وتطور الحواسيب منذ اختراعها وحتى اليوم أكبر دليل وشاهد على ذلك، فمن حاسوب تتراوح أبعاده لحجم الغرفة، لأجهزة ذكية يمكن حملها باليد وتتصل بشبكة الانترنت وتزودنا بالعديد من المعلومات…هذا تطورٌ رائع وكبير ولم يكن ليتم لولا المهندسين.

إذاً، هل أعجبكم عمل المهندس؟ ما قمنا بعرضه هو لمحة صغيرة ومقتطفة جداً حول المهندس، وعمله، وتأثيره بحياتنا، وكما قلنا، الأمثلة تتشعب لتشمل كل ما يحيط بنا – بما تحمله الكلمة من معنى – من تقنيات وأدوات وأجهزة تسهل حياتنا وتجلعها أسرع وأقصر وأكثر رفاهية وأكثر أريحية، بما يشمل التقنيات والأجهزة المستخدمة بالمجال الطبي والتي ساهمت بتطور أنظمة الرعاية الصحية بشكلٍ هائل وكبير، والتقنيات والأجهزة المستخدمة بالأبحاث الفيزيائية والكونية والتي ساهمت بحسم العديد من الإجابات والأسئلة الجوهرية في الفيزياء، والتقنيات والأجهزة المستخدمة في المجالات العسكرية وأنظمة الدفاع والتجسس، والبرمجيات المستخدمة في عالم الانترنت والهواتف الذكية وأنظمة التشغيل، والأنظمة الروبوتية التي ساعدت بتطور عمليات التصنيع، والروبوتات المنزلية التي بدأت تدخل بيوتنا كخدمٍ لنا…يا إلهي…الهندسة في كل مكان!

نقطة هامة يجب أن نشيركم لها: الهندسة تتطلب قدراً واسعاً من المعارف الرياضية والفيزيائية، وبالتالي، فإن عدم ميلك لهذه الفروع العلمية، ولهذا النمط من المعرفة العلمية لن يساعدك أبداً على تحقيق النجاح كمهندس. الفيزياء هي أساس المهندس لمعرفة كيفية عمل الظواهر المحيطة بنا، والرياضيات هي لغته من أجل التحديد والتوصيف الدقيق لما يجري حولنا، والتنبؤ بما قد يحصل مستقبلاً. الرياضيات والفيزياء (وأحياناً الكيمياء) أساسية وهامة جداً بالنسبة للمهندس. لا نريد أن نشعرك بالخوف، ولكن قرار دخولك للهندسة يتطلب منك تحسين قدراتك بهذين الفرعين العلميين.

كخلاصة، فإن المهندس هو ذلك الشخص المتسلح بالمعارف الرياضية والفيزيائية الأساسية، والمتمتع بقدرةٍ تحليلية منطقية ومنهجية، بحيث يقوم بتسخيرها من أجل حل المشاكل اليومية التي تواجهنا بمختلف المجالات والأصعدة، وابتكار الحلول والاختراعات والأجهزة التي تساعدنا بتحسين مستوى حياتنا، على كل الجوانب.

هل تريد أن تكون فرداً من ملايين المبدعين حول العالم الذين يساعدون بتسحين حياتنا ؟ إذاً، عليك أن تدخل كلية الهندسة.

المصدر: حصري لموقع عالم الإلكترون | 4electron

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. مقااال جميل واحببت تخصصي اكثر من هذا مقال ،رغم انه قراءه بعض اشياء تجيب صداع ، لكن تطبيقها امر جميل وممتع ، معي تعليق بسيطه على ان(( المهندس هو ذلك الشخص المتسلح بالمعارف الرياضية والفيزيائية الأساسية، والمتمتع بقدرةٍ تحليلية منطقية ومنهجية،)) هو صحيح انه يكون ملم على هذه معاارف ولكن هذه المعارف لا تاتي من ذاتها يجب تكثيف في دراستها وممارسه ، لاباس ان كان يحمل معدل الجيد وفوق في هذه المعارف الرياضيه والفيزيائيه ،المهم اكثر ان يكون لديه ابدااع ، نلاحظ هناك اطفال يقومون بابتكار في عالم الهندسه ،ولكن ليست لديهم تلك المعارف المتتطلب ، وشكرا

زر الذهاب إلى الأعلى