خطوة جديدة نحو الحصول على الليزرات العضوية، اعتماداً على ثنائيات OLED
تعتبر الثنائيات العضوية الباعثة للضوء OLED أحد أهم العناصر التي ستساهم بتغيير مجال أجهزة وأدوات الإظهار بشكلٍ جذري، نظراً لمواصفاتها الضوئية والإلكترونية المتميزة، فضلاً عن خواصها الميكانيكية المذهلة، من حيث المرونة وقابلية التشكيل والتصنيع.
وبالمقارنة مع شاشات الإظهار التقليدية التي تعتمد على الكريستال السائل LCD، فإن شاشات الكريستال السائل تتطلب وجود إنارة خلفية كي تؤدي وظيفتها، سواء كان مصدر الإنارة هو مصابيح ضوئية فلوريسانتية أو ثنائيات مصدرة للضوء LED، بينما الثنائيات العضوية الباعثة للضوء لا تتطلب وجود إنارة خلفية كي تقوم بوظائف الإظهار، بسبب قدرتها على إصدار الضوء من تلقاء نفسها. أحد التطورات التقنية الكبيرة المنتظرة أيضاً من الثنائيات العضوية الباعثة للضوء هي استخدامها بمجال توليد الديودات الليزرية Laser-Diodes، ولطالما حلم العلماء والباحثون بتطوير ليزراتٍ عضوية، إلا أنهم واجهوا على الدوام مشكلةً أساسية تتعلق بسلوك المواد العضوية: فهي لا تعمل بشكلٍ فعال عند القيم للتيار الكهربائي واللازمة لتوليد أشعة الليزر.
( اقرأوا أيضاً: الحصول على عدة إلكترونات من فوتونٍ وحيد ضمن الغرافين )
الآن، وعبر بحثٍ علميّ مشترك من باحثين في كاليفورنيا واليابان، تمكن الباحثون وللمرة الأولى من تشكيل مصدر ضوئي ذو طاقةٍ منخفضة من الثنائيات العضوية الباعثة للضوء، ويستطيع أن يقوم بإصدار ضوء عالي السطوع، مما يساهم بتحقيق خطوةٍ هامة تجاه الحصول على الليزرات العضوية. سيتم نشر نتائج بحثهم ضمن مجلة Applied Physics Letters.
الفكرة الأساسية بالإنجاز الجديد تتعلق بتوليف وضبط عمليات نقل الشحنات واتحادها مع بعضها البعض ضمن المجالات النانوية (النانومتر الواحد يعادل واحد على مليار من المتر، وهذه الأبعاد قريبة من أبعاد الذرة الواحدة)، بشكلٍ يساهم بتوسيع كفاءة التألق الإلكتروني الخاصة بالثنائيات العضوية بمقابل كثافة التيار الكهربائي المار فيه، حيث تساهم كثافة التيار العالية بإنقاص كفاءة الثنائي العضوي بشكلٍ كبير، وقد تم تشكيل الجهاز الجديد ليقوم بهذه المهمة – أي زيادة كفاءة التألق الإلكتروني – عبر كبح ارتفاع درجات الحرارة بالإضافة لمنع عمليات عودة اتحاد الشحنات.
(اقرأوا أيضاً: إنتاج أرفع ثنائي مصدر للضوء على الإطلاق بسماكةٍ تبلغ 3 ذرات )
تعتمد الثنائيات العضوية الباعثة للضوء في عملها من حيث المبدأ على نفس مبادئ أنصاف النواقل: فهي تعتمد على حركة حوامل الشحنات الموجبة (الثقوب Holes) وحوامل الشحنات السالبة (الإلكترونات). ويمكن تمثيل آلية عمل أنصاف النواقل العضوية بقطار مليء بالركاب، حيث يجلس راكبٌ واحد على كل مقعد من مقاعد القطار. تمثل المقاعد المُرّكبات العضوية ويمثل الرّكاب حوامل الشحنات (الإلكترونات). عندما يصعد الأشخاص للقطار من أحد أبوابه، فإنهم يكونون “نشيطين” وبحاجةٍ للراحة، وبالتالي فإنهم سيكونوا بحاجة للجلوس. وتترافق عملية صعود أشخاص للقطار، مع عملية خروج أشخاص آخرين من مقاعدهم ليفسحوا مجالاً للقادمين. عندما يترك شخص ما مقعده، فإنه سيخلف ورائه مقعداً فارغاً، وهو ما يشابه تماماً مفهوم “الثقب” في أنصاف النواقل، فهو الشاغر الذي يتركه الإلكترون عند مغادرته لسويته الطاقية. الآن، وبعد أن حصلنا على مقعدٍ فارغ، سيأتي شخص آخر ويجلس فيه، وبعد جلوس الشخص، فإنه سينتقل من حالته النشطة إلى حالة الراحة. هذا الأمر يماثل أيضاً ما يحصل في أنصاف النواقل وفي الثنائيات العضوية الباعثة للضوء، فعندما يأتي إلكترون نشط وذو طاقةٍ إضافية، ويشغل مكان ثقب فارغ، فإنه سينتقل من حالةٍ نشطة لحالة الراحة، ويقوم بإصدار طاقة على شكل فوتون ضوئي، وهكذا تتم عملية إصدار الضوء.
بالنسبة لإصدار ضوء ليزري اعتماداً على الثنائيات العضوية الباعثة للضوء، فإن الأمر سيكون مختلف بشكلٍ قليل، وذلك لأن الليزر يتطلب كثافةً عالية للتيار الكهربائي، وتقدر هذه الكثافة بآلاف الأمبيرات بالنسبة لكل سنتيمتر مربع. المشكلة التي تحصل هي أن الثنائيات لا تستطيع الوصول لمثل هكذا كثافة بسبب ارتفاع درجة الحرارة. وبالعودة لمثال الأشخاص والقطار، فإنه يمكننا تشبيه الأمر بقطارٍ صغير الحجم ومليء بعددٍ كبيرٍ جداً من الأشخاص، بحيث بدلاً من أن حدوث عملية صعود الراكب الجديد وجلوسه بالمقعد الفارغ بشكلٍ منتظم، سيتصادم الركاب مع بعضهم البعض ويفقدون طاقتهم بعمليات الاصطدام، بدلاً من أن يفقدوها بشكلٍ مفيد على شكل صعودهم وخروجهم من القطار.
(اقرأوا أيضاً: ليزر جديد يساهم بزيادة سرعة الإنترنت 20 مرة! )
تمكن سابقاً الفريق البحثي من تحقيق كثافة تيار تبلغ 1 كيلو أمبير لكل سنتيمتر مربع، ولكنها لم تكن كافية لتحقيق متطلبات توليد الليزر والإضاءة الساطعة. وفي ورقتهم البحثية الجديدة، أظهر الفريق أنه يمكن حل مشكلة الكفاءة عبر استخدام تقنية الطباعة الحجرية ذات الحزمة الإلكترونية Electron-beam Lithography، وذلك من أجل إنتاج بنى خاصة للثنائيات العضوية الباعثة للضوء. وكنتيجة، فإن المساحة الصغيرة للجهاز الجديد قد تمكنت من دعم حقن كثافة شحنات بلغت 2.8 كيلو أمبير لكل سنتيمتر مربع، مع الحصول على كفاءة سطوع أفضل بـ 100 مرة من المحاولات السابقة.
يشرح الباحثون بشكلٍ بسيط وممتع إنجازهم الجديد باستخدام مثال القطار والركاب :” ما قمنا به ببساطة هو ضبط عملية دخول وخروج الركاب من وإلى القطار. قمنا بإعادة توزيع الركاب على نهايات القطار الأمامية والخلفية بشكلٍ جيد، كونها تتميز بقلة الازدحام مقياساً بمنتصف القطار. هذا الأمر ساهم بتقليل التصادمات بين الركاب، وقلل أيضاً من خسارة طاقة الركاب أنفسهم. بنفس المفهوم تماماً، تمكنا من الحصول على كثافةٍ عالية للتيار الكهربائي عبر الثنائي العضوي، عبر التحكم الدقيق بتدفق الشحنات الكهربائية، وتقليل ارتفاع درجة الحرارة المصاحب للكثافة العالية للشحنات “.
المصدر: Phys.org
للاطلاع على الورقة البحثية المنشورة في مجلة Applied Physics Letters: اضغط هنا