الحرارة تنتقل على شكل موجات ضمن الجرافين!
أحد أكبر المشاكل التّقنية المُتعلقة بتطوّر الإلكترونيات والشرائح الحاسوبية هو موضوع التّنظيم الحراري Thermal Management المُرافق لعملها، فاستهلاك هذه الشرائح والعناصر للطاقة الكهربائية يؤدي لارتفاع درجة حرارتها، وبالتالي المزيد من الانبعاث الحراري، وهذا الأمر يلعب دوراً سلبياً على أداء هذه الشرائح نفسها، إذ يؤدي الانبعاث الحراري المُستمر إلى أضرارٍ في بنية الشرائح نفسها، فضلاً عن استهلاك طاقة مُرتفع. ما يزيد من سوء المُشكلة هو الاتجاه التّقني الحالي، والذي يتمحور حول رفع أداء وقُدرات الشرائح الحاسوبية والدارات الإلكترونية، مما يعني أنها ستستهلك كمياتٍ أكبر من الطاقة، وستبعث مُعدلاتٍ أعلى من الحرارة. ونظراً للأسباب السابقة، فإن زيادة قُدرة الدارات الحاسوبية والإلكترونية يعني وبشكلٍ أكيد أنه يجب البحث عن حلول جديدة ومُبتكرة لمشاكل الانبعاث والإشعاع الحراري.
ومن بين الخيارات الواسعة التي يقوم العلماء بالبحث فيها، فإن مادة الجرافين هي من أبرز الخيارات ومن أبرز المُرّشحين للوصول إلى حلٍ مناسبٍ لهذه المشاكل، أي المشاكل المُتعلقة بالتنظيم الحراري، وذلك بسبب أحد الخواص المُميزة لهذه المادة، وهي النّاقلية الحرارية العالية High Thermal Conductivity.
ومؤخراً، تمكن فريقٌ بحثيّ من المعهد الفدرالي التّقني في لوزان EPFL في سويسرا من تحقيق إنجازٍ جديد بهذا الخصوص، حيث أظهروا بشكلٍ فعال كيفية انتقال الحرارة وتبددها عبر مادة الجرافين. يتلخص هذا الإنجاز، بأن العلماء قد أظهروا وللمرة الأولى أن الحرارة تنتقل وتبدد في الجرافين على شكل أمواج، بشكلٍ مُشابهٍ تماماً لانتقال أمواج الصوت في الهواء. تم نشر نتائج البحث الجديد في مجلة Nature Communication.
- اقرأوا أيضاً: يمكن للإلكترونات أن يتم توجيهها بشكلٍ مسبق عبر الغرافين!
يعتقد الباحثون أنه عبر تمكّنهم من توضيح كيفية حصول عملية انتقال الحرارة وتبددها في المواد ثنائية البعد (مثل الجرافين) باستخدام المُحاكاة الحاسوبية، فإنهم يستطيعوا أن يُقدّموا خدمةً كبيرة للباحثين الآخرين الذين يعملون في مجال استخدام الجرافين بحلول التّنظيم الحراري للأجهزة والدارات الإلكترونية والحاسوبية.
بشكلٍ أساسي، فإن سلوك المواد ثنائية البعد (مثل الجرافين) يَختلف قليلاً عن سلوك المواد ثلاثية الأبعاد فيما يتعلق بانتقال الحرارة وتبددها. ففي المواد ثلاثية الأبعاد، تنتقل الحرارة عن طريق عملية اهتزاز وتصادم الذرات، وهذه الاهتزازات والتّصادمات (والتي تسمى “فونون Phonon”) إما أن تتزايد بما يؤدي لارتفاع درجة حرارة المادة ككل، أو تتناقص، بما يؤدي لتناقص درجة حرارة المادة ككل. زيادة أو نقصان الاهتزازات والتّصادمات تتبع لخواص الناقلية الحرارية التي تتمتع بها المادة، وبشكلٍ عام، فإن عملية انتقال الحرارة عبر المادة تترافق مع فقدٍ في الطاقة، أي أنه لا يُمكن أن تنتقل كامل الطاقة الحرارية عبر المادة. فقط عند درجات حرارة قريبة من الصفر المُطلق، فإنه من المُمكن الحصول على انتقالٍ حراري بدون فقد في الطاقة.
- اقرأوا أيضاً: يمكن للغرافين أن يكون كهربائياً ومغناطيسياً بنفس الوقت!
بالنسبة للمواد ثُنائية البعد، أظهر الباحثون أن الحرارة تنتقل بشكلٍ مُختلف قليلاً. وباستخدام المُحاكاة الحاسوبية Computer Simulation، أظهر الفريق البحثي في معهد EPFL أن الحرارة تنتقل بدون حصول ضياعات بسبب ظاهرةٍ شبيهة بالانتشار الموجي تُدعى “الصوت الثاني Second Sound”. عند حصول ظاهرة “الصوت الثاني”، تتحرك كافة الفونونات سويةً وبانسجام، وعبر مسافاتٍ طويلة. هذا الأمر قد يُفسر النّاقلية الحرارية المرتفعة التي يتمتع بها الجرافين.
كنتيجةٍ نهائية، فإن المحاكاة الحاسوبية التي تم إجراؤها أظهرت أن مادة الجرافين، وعند درجة حرارة الغرفة الاعتيادية، تسلك سلوكاً حرارياً مماثلاً لسلوك المواد ثلاثية الأبعاد في درجات الحرارة شديدة الانخفاض.
المصدر: IEEE Spectrum
2 تعليقات