المساحة الإخبارية

للمرة الأولى: يمكن للجرافين أن يكون كهربائياً ومغناطيسياً بنفس الوقت!

تتميز بعض المواد بخواصها المغناطيسية المميزة، والبعض الآخر يتميز بخواصه الكهربائية المميزة، إلا أن الحصول على مادةٍ تتميز بخواص كهربائية ومغناطيسية مميزة وبآنٍ واحدٍ معاً، هو أمرٌ صعب الحصول عليه. في الواقع، شكّل هذا الهدف (أي الحصول على خواصٍ كهربائية ومغناطيسية بآن واحد) دافعاً للعديد من العلماء والفرق البحثية كي يقوموا باختبار وتجريب مواد مختلفة، من أجل الحصول على الخواص الكهربائية والمغناطيسية مجتمعةً بآنٍ واحدٍ معاً.

ركزت الأبحاث السابقة بهذا المجال على استغلال الخواص الطبيعية لمادة “فيرريت البزموت Bismuth Ferrite”، ثم قاموا بإحداث استقطابٍ كهربائي ومغناطيسي في مادة “بيروفسكيت Perovskit”، وهي مادة لا تتميز بأي خواصٍ مغناطيسية أو كهربائية بالحالة الطبيعية.

الآن، قام باحثون من جامعة كاليفورنيا-ريفرسايد بجلب الخواص المغناطيسية والكهربائية للمادة السحرية الجديدة، أي مادة الجرافين.

تتميز مادة الجرافين بعدة خواص هامة، وأهم هذه الخواص هي امتلاك الجرافين لأعلى ناقلية (موصلية) كهربائية مُكتشفة حتى الآن، وبالتالي فهي تتمتع بخواصٍ كهربائية مُتميّزة. عملية تحفيز الجرافين كي يكتسب خواصاً مغناطيسية هي أمرٌ قابلٌ للتنفيذ وبسهولة، حيث يُمكن أن تتم عبر إشابة مادة الجرافين بشوائب مغناطيسية. الأمر السيء بهذه العملية، أنها تترافق مع تناقصٍ كبير بخواص الجرافين الكهربائية المُتميزة، والتي أهمها ناقليته العالية للتيار الكهربائي.

الإنجاز الجديد الذي تمكّن الباحثون في جامعة كاليفورنيا-ريفرسايد من تحقيقه، هو إكساب الجرافين الخواص المغناطيسية، دون التّضحية بالخواص الكهربائية المُتميزة التي يمتلكها أصلاً.

يقول جينغ شي Jing Shi، بروفيسور الفيزياء في جامعة كاليفورنيا-ريفرسايد :” هذه هي المرة الأولى التي نحصل فيها على الجرافين بشكلٍ مغناطيسي وبهذه الطريقة. يمتلك الجرافين المغناطيسي خواصاً إلكترونية فريدة مما يسمح بنشوء ظواهر كُمومية جديدة. ستُساهم هذه الخواص الإلكترونية الفريدة أيضاً بتطوير أجهزةٍ إلكترونية جديدة تتميّز باستقرارٍ أعلى وذات وظائف مُتعددة “.

قام الفريق البحثي بنشر عملهم في مجلة Physical Review Letters.

ما قام به الباحثون هو وضع صفيحة من الجرافين على مسافةٍ قريبةٍ جداً من عازلٍ مغناطيسي Magnetic Insulator. لم يتم استخدام عازلٍ مغناطيسي عادي، حيث قام الفريق بالعمل على تنمية العازل المِغناطيسي الخاص بتجربتهم باستخدام تقنية تناضد حُزمة الليزر العضوي Laser Molecular Beam Epitaxy، ليحصلوا على عازلٍ مغناطيسي مُسطح يتكوّن من خليطة “الايتريوم-الحديد-العقيق YIG” الفيرومغناطيسية. [توضيح: المواد الفيرومغناطيسية Ferromagnetic Materials هي المواد التي تمتلك قابلية عالية لتشكيل مغانط وتشكيل حقول مغناطيسية حولها. هنالك عدة تصنيفات للمواد بحسب قابليتها للمغنطة، والمواد الفيرومغناطيسية تصنف على أنها أفضل المواد من حيث قابليتها العالية للمغنطة. المثال الطبيعي الموجود على المواد الفيرومغناطيسية هو أوكسيد الحديد المغناطيسي الذي يأخذ الرمز الكيميائي Fe3O4 ].

الآن، وبفعل وجود مادة الجرافين بالقرب من العازل المِغناطيسي ذو البنية الحديدية، فإن الجرافين سـ “يَستعير” بعض الخواص المغناطيسية الخاصة بالعازل، وتكمن الفكرة هنا باكتساب الجرافين للخواص المغناطيسية بدون أن يفقد أياً من خواصه الكهربائية، وهذا ما تم تحقيقه بفعل التّصميم الفعال للعازل المغناطيسي، فهو لا يؤثر نهائياً على الخواص الكهربائية للغرافين، وبالتالي فإنه لن يقوم بتخريب خاصية الناقلية العالية التي يتمتع بها الجرافين.

خلال التّجارب، أظهر الفريق كيف أن الجرافين قد أصبح يتمتع بخواصٍ مغناطيسية، وذلك عبر تعريضه لحقلٍ مغناطيسي خارجي. خلال فترة التّعريض للحقل المغناطيسي الخارجي، أظهر الغرافين نشوء جهدٍ كهربائي بسبب “أثر هال Hall Effect”، وهو الأثر الذي يحدث في المادة نتيجةً لتعريضها لحقل مغناطيسي، حيث ينشأ فيها جهد كهربائي يُعرف بـ “جهد هال” ويكون اتجاه الجهد الكهربائي عمودياً على اتجاه تدفق التيار الكهربائي ضمن المادة. هذا القياس هو ما وفّر التأكيد اللازم للبرهان على أن الجرافين بالفعل قد أصبح يمتلك خواصاً مغناطيسية.

ما الأهمية الكامنة من وراء تجربةٍ كهذه؟ في الواقع، إن امتلاك مادةٍ ما لخواصٍ كهربائية ومغناطيسية بنفس الوقت، يعني إمكانية أن تسلك المادة الواحدة سلوكاً مُتعدد الوظائف Multi-Functional، خصوصاً بحالة مادة مثل الجرافين، والتي تمتلك ناقليةٍ كهربائية عالية جداً، وهو الأمر الذي يُمكن استغلاله بشكلٍ كبير في أنظمة تخزين المَعلومات، خصوصاً مع التّحديثات الكبيرة التي تطرأ على هذه الأنظمة، بفعل تطور مجال “الإلكترونيات السبنية Spintronics”.

المصدر: IEEE Spectrum

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى