للمرة الأولى: يمكن التحكم بالحرارة والصوت بشكلٍ مغناطيسي!
في وقتٍ سابق من هذا الشهر، تم نشر بحث يتعلق بسبقٍ علمي جديد، وهو إظهار أن الحرارة تنتقل على شكل أمواج ضمن مادة الغرافين، وذلك بدلاً من انتقالها عبر عمليات اهتزاز الذرات وتصادمها، كما يحصل في المواد ثلاثية الأبعاد. تعرف الحالة المشتركة للذرات المهتزة ضمن المواد ثلاثية الأبعاد بالـ “فونون Phonon”.
ما هو “الفونون Phonon” ؟
الفونون عبارة عن وحدة الطاقة الاهتزازية، والتي تنشأ كنتيجة لاهتزاز الذرات ضمن البنى البلورية Crystals. تتألف البُنى البلورية الخاصة بالمواد الصلبة (مثل بلورة كلور الصوديوم الخاصة بملح الطعام التقليدي) من أنماطٍ ثلاثية الأبعاد تتكرر بشكلٍ منتظم، وهي ما تعرف باسم “الشبكة البلورية Crystal Lattice”. وبما أن الذرات تتصرف وكأنها متصلة مع بعضها البعض بخيوطٍ دقيقة، فإن أي قوة ميكانيكية خارجية ستجعل الشبكة ككل تهتز، وكذلك الأمر بالنسبة للطاقة الحرارية الخاصة بالذرات نفسها. عملية الاهتزاز هذه ستؤدي لتحفيز الشبكة، بما يؤدي لتوليد موجاتٍ ميكانيكية تقوم بنقل الصوت والحرارة عبر المادة، كنتيجة لاهتزاز الشبكة البلورية نفسها. ويمكن لحزم هذه الأمواج أن تنتقل عبر الشبكة البلورية وفقاً لمقدارٍ محدد من الطاقة والاندفاع Momentum، وبالتالي، وباستخدام مصطلحات الميكانيك الكمومي، يمكن التعبير عن هذه الأمواج على أنها جسيمات (بسبب مبدأ الطبيعة المثنوية الجسيمية للمواد). هذه الجسيمات الحاملة للطاقة الميكانيكية الكمومية المهتزة (على شكل صوت وحرارة) عبر شبكةٍ بلورية من الذرات المُهتزة، هي ما يُعرف بالـ “فونونات Phonons”.
الآن، وللمرة الأولى، أظهر فريقٌ بحثيّ من جامعة ولاية أوهايو Ohio State University أن جسيمات الفونون تمتلك خواصاً مغناطيسية، مما يعني أنه يمكن التحكم بها باستخدام الحقول المغناطيسية.
وفي بحثهم الجديد، قام الفريق بتطبيقٍ حقل مغناطيسيّ عالي الشدة، حيث يمتلك شدة مماثلة للحقل المغناطيسي المستخدم في أجهزة التصوير بالرنين المغناطيسي MRI والتي تصل إلى 7 تسلا. ما حصل عليه العلماء بعد تطبيقهم للحقل المغناطيسي هو أنهم تمكنوا من تخفيض التدفق الحراري عبر مادةٍ فائقة الناقلية بمعدل 12%. تم نشر البحث في مجلة Nature Materials.
( اقرأوا أيضاً: رابط فيزيائي لسلوك الإلكترونات الغريب في النواقل الفائقة مرتفعة درجة الحرارة )
يقول جوزيف هيريمانس، أستاذ الهندسة الميكانيكية في جامعة أوهايو :” هذا الإنجاز يضيف بعداً جديداً لفهمنا لخواص الأمواج الصوتية. لقد أظهرنا أننا قادرين على توجيه الحرارة مغناطيسياً، وباستعمال حقلٍ مغناطيسي ذو شدةٍ مناسبة، يجب أن نكون قادرين على توجيه الصوت أيضاً.”
هنالك أمرٌ هام يجب أن يتم توضيحه قبل أي حديثٍ محتمل عن التطبيقات المحتملة لهذا الإنجاز بمجال التنظيم الحراري في الدارات الحاسوبية: يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار أن المادة فائقة الناقلية التي تم إجراء الاختبار عليها ذات درجة حرارة قريبة جداً من الصفر المطلق (للتحديد -268 درجة مئوية)، وهي درجة حرارة ضرورية كي يمتلك الباحثون إمكانية قياس حركة وانتقال الفونونات ضمن المادة.
في الواقع، فإن ما منع الباحثين سابقاً من مشاهدة الخواص المغناطيسية للفونونات هو التعقيد المرافق للقياسات التي يتم إجراؤها، فمن أجل الحصول على قياساتٍ حرارية ضمن درجاتٍ فائقة الانخفاض (كما هو الحال مع النواقل الفائقة)، تم استخدام مادة أنتيمونيد الانديوم فائقة الناقلية، ومن ثم تم تشكيلها على شكل شوكةٍ رنانة غير متوازنة، أي أن كل ذراع من أذرع الشوكة يمتلك عرضاً مختلفاً، حيث يبلغ عرض الذراع الأولى 4 ميللي متر، بينما يبلغ عرض الثانية 1 ميللي متر، ومن ثم تم وضع مسخن حراري عند قاعدة كل ذراع خاص بالشوكة الرنانة.
عند درجات الحرارة الاعتيادية، تكون قدرة المادة على نقل الحرارة مرتبطة بطبيعة الذرات ضمن المادة، ولكن عند درجات حرارة قريبة من الصفر المطلق، فإن قدرة المادة على نقل الحرارة ترتبط بالأبعاد الفيزيائية للمادة، وبهذه الحالة، فإن الاختلاف في أبعاد أذرع الشوكة الرنانة كان هاماً، فقد امتلئت الذراع الأعرض بالفونونات بشكلٍ أسهل.
لتوضيح العملية، قام البروفيسور هيريمانس بتشبيه الأمر بمسار السباق الذي يضم عدائين، فإذا قمنا بتمثيل الشوكة الرنانة على أنها مسار سباق ذو خطين، خط عريض يمثل الذراع الأولى، وخط ضيق يمثل الذراع الثانية، وقمنا بتشبيه الفونونات على أنهم العدائين، فإنه يمكننا أن نتخيل وبسهولة أن العدائين الذين سيسلكون ضمن الخط العريض سيستطيعوا أن يتحركوا بسهولةٍ أكثر وبسرعةٍ أكبر نظراً لأنهم يمتلكون مساحةً أكبر، بينما العدائين الذي سيسلكون ضمن الخط الضيق، فإنهم لن يمتلكوا مساحةً كافية للحركة، وسيقومون بالاصطدام بجدران المسار، مما يسبب بطئاً في حركتهم. أخيراً، فإن كل العدائين سينهون السباق عند خط النهاية، ولكن هنالك فرق بكيفية توزيع العدائين بالخط العريض، حيث سيأخذوا شكلاً منتظماً وممتلئاً، بينما العدائين الذين سلكوا المسار الضيق لن يتمتعوا بنفس الانتظام، وحتماً سيكون عددهم أقل. هذا بالضبط ما حدث مع الفونونات ضمن التجربة، أثناء عبورها للشوكة الرنانة.
الآن، ومع الحصول على هذا الفهم الجديد، تمكن الفريق من إجراء عملية مقارنة للتغيرات بدرجة حرارة كل ذراع من أذرع الشوكة. في البداية، تم تسجيل درجة الحرارة بدون الحقل المغناطيسي، ومن ثم تم تسجيل درجة الحرارة مع الحقل المغناطيسي. عندما تم تطبيق الحقل المغناطيسي، لاحظ الفريق أن التدفق الحراري عبر الذراع الأعرض قد انخفض بمقدار 12%.
إذاً، تمكن الباحثون من إظهار تأثير الحقل المغناطيسي على الحرارة، وستكون الخطوة التالية بالنسبة لهم هي البحث في قدرتهم على التلاعب بالأمواج الصوتية باستخدام الحقل المغناطيسي.
المصدر: IEEE Spectrum
للمزيد عن “الفونونات”: