المساحة الإخبارية

في سبقٍ تقني: شركة IBM تصنع أول شريحة متكاملة بدقة 7 نانومتر

في خبرٍ مذهل، أعلنت شركة IBM عن تمكنها وللمرة الأولى من تصنيع أول شريحةٍ إلكترونية بدقة تصنيع من مرتبة 7 نانومتر. هذا يعني أن أبعاد الترانزيستور الواحد ضمن الشريحة ستكون من رتبة 7 نانومتر مما يقود فوراً للاستنتاج أن الأنظمة الإلكترونية والحاسوبية المستقبلية ستكون بأداءٍ أقوى، أسرع، وحتى بكفاءةٍ أفضل من ناحية استهلاك الطاقة.

لم تقم شركة IBM بتحقيق هذا الإنجاز التّقني لوحدها، بل أن الإنجاز فعلياً قد تم بالتعاون مع شركة GlobalFoundries، شركة سامسونج وجامعة نيويورك الحكومية SUNY. الأمر المذهل المتعلق بهذا الإنجاز هو أن مُعظم التّوقعات التقنية المتعلقة بتجاوز عتبة التّصنيع بدقة 10 نانومتر أشارت إلى الأمر يحتاج لسنتين على الأقل. على الصعيد الصناعيّ، فهنالك ثلاثة أسباب أساسية تجعل من هذا الإنجاز هام جداً:

  • أول شريحة إلكترونية مُتكاملة فعالة تتجاوز دقة عتبة 10 نانومتر
  • أول شريحة إلكترونية متكاملة، تعتمد على منطق FinFET المَبني على موادٍ خام هي سيليكون الجرمانيوم SiGe بدلاً من السليكون النقي
  • أول تصميم تجاري فعال تم تنفيذه باستخدام تقنية الطباعة الحجرية ذات الأشعة فوق البنفسجية الشديدة EUV Lithography
IBM, SUNY Polytechnic
باحثو شركة IBM مع أول نموذج تجريبي لشرائح متكاملة مصنعة بتقنية 7 نانومتر. حقوق ملكية الصورة تعود لشركة IBM.

وقائع وأرقام

بدايةً، لنتحدث عن الوقائع والأرقام: هذه شريحة إلكترونية متكاملة تجريبية، بدقة 7 نانومتر، تم بناؤها في المعهد التقني الموجود في جامعة نيويورك الحكومية SUNY والتابع لشركة IBM. تم بناء الترانزيستورات بمنطق FinFET المستخدم تجارياً على نطاق واسع في تصنيع الشرائح الإلكترونية المتكاملة. ما هو الجديد هنا؟ الجديد أن قنوات الترانزيستورات في الشريحة الجديدة مصنوعة من خلائط سيليكون الجرمانيوم بدلاً من السليكون النقي. أخيراً، ومن أجل الوصول لدرجة تكامل عالية عند مثل هكذا أبعاد صغيرة، ومن أجل بناء الترانزيستورات والنواقل فيما بينها بأفضل شكل ممكن، تم اعتماد تقنية الطباعة الحجرية ذات الأشعة فوق البنفسجية الشديدة Extreme Ultraviolet Lithography.

بفضل الأبعاد الصغيرة جداً للترانزيستورات (وحدات البناء الأساسية في الشرائح الإلكترونية المتكاملة)، وبفضل المسافات الصغيرة التي تفصل الترانزيستورات عن بعضها البعض (30 نانومتر)، تم الحصول على قُدرة تراص كبيرة للترانزيستورات ضمن الشريحة، وهذا يعني إمكانية تضمين عدد كبير من الترانزيستورات ضمن الشريحة الواحدة بما يُساهم بتقليص أبعاد الشريحة الواحدة، وزيادة عدد الترانزيستورات على الشريحة بنفس الوقت، وعندما نقول زيادة عدد الترانزيستورات على الشريحة، فهذا يعني زيادة القدرة الحاسوبية من حيث السرعة والأداء. بلغة الأرقام، ووفقاً لشركة IBM، فإن تقنية التصنيع الجديدة بدقة 7 نانومتر تستطيع أن توفر ما يعادل 50% من المساحة السطحية للشريحة، وذلك بالمُقارنة مع التّقنيات المعتمدة على التصنيع بدقة 10 نانومتر. أكثر من ذلك، فإن الشركة تقول أيضاً أن هذه التقنية الجديدة ستساهم بتحسين كفاءة استهلاك الطاقة بنسبة 50% وذلك من أجل الجيل المقبل من الأنظمة الإلكترونية والحاسوبية المختلفة. هذه المقارنات هي بالنسبة لتقنيات التصنيع بدقة 10 نانومتر، والتي لم يتمكن أحد من إنجازها على المستوى التجاري، إلا أن شركاتٍ أخرى مثل Intel تعمل على الوصول إليها حيث تُمول العديد من المشاريع البحثية لمعرفة كيفية إنجازها. تقنية التصنيع التجارية الحالية هي التصنيع بدقة 14 نانومتر، والمقارنة بين إنجاز شركة IBM وتقنية التصنيع هذه سيكون مذهلاً أكثر.

Intel-Features
التفاصيل التقنية الخاصة بتقنيات التصنيع لشركات: إنتل، سامسونج، و TSMC. قبل تمكن شركة IBM من تحقيق إنجازها الجديد، كانت شركة إنتل هي الأقوى والأكثر قُدرة على تصنيع أكفأ الشرائح المتكاملة من حيث أبعاد التصنيع والدقة.

تفاصيل تقنية

من الناحية التقنية، فإن استخدام سليكون الجرمانيوم SiGe وتقنية EUV Lithography هي أمورٌ هامة. يمتلك سيليكون الجرمانيوم ناقلية (موصلية Conductivity) إلكترونية أعلى من تلك التي يمتلكها السليكون النقي، مما يجعله مادةً أفضل لصناعة الترانزيستورات على أبعادٍ صغيرة. التفسير يتطلب الخوض قليلاً ضمن تفاصيل البنية الذرية للسيليكون نفسه: تبلغ المسافة بين نواتي ذرتي سليكون متجاورتين قرابة 0.5 نانومتر، وفي حين أن أبعاد البوابة الترانزيستورية في تناقص (بحالة شريحة IBM فإن الأبعاد من رتبة 7 نانومتر) فإن القناة الناقلة ستُصبح صغيرة جداً، مما يعني أن ذرات السليكون لن تكون قادرة على توصيل قدرٍ كافِ من التيار الكهربائي. عملية إضافة الجرمانيوم إلى القناة ستُساهم برفع الناقلية الإلكترونية إلى القيمة التي يصبح فيها التيار الكهربائي كافياً للمرور وتشغيل الترانزيستورات كما يجب. توقعت الشركات التقنية مُسبقاً أن السليكون النقي وحده لن يكون قادراً على تشكيل مادةٍ خام مناسبة من أجل تصنيع الترانزيستورات عند أبعاد أقل من 10 نانومتر (شركة إنتل هي إحدى الشركات التي أطلقت مثل هذه التّصريحات). الآن وبعد أن كشفت IBM عن إنجازها الجديد، يبدو أن الشركات الأخرى مثل إنتل و TSMC ستحذو حذوها.

بالنسبة لتقنية EUV Lithography، فهي بحد ذاتها تطورٌ تقنيّ آخر. تقنيات تصنيع الدارات المتكاملة تعتمد على تقنية “الطباعة الحجرية الضوئية Lithography”، حيث يتم رسم الدارات ومكوناتها المختلفة (العناصر والنواقل وغيرها) اعتماداً على أنماطٍ مختلفة من الأشعة الكهرومغناطيسية (ضوء، ليزر، أشعة فوق بنفجسية، وحتى حزم إلكترونية). أحدث تقنيات الطباعة الحجرية هي تقنية EUV، والتي دفعت العديد من الشركات مبالغ طائلة للاستثمار فيها وتطويرها، وجعلها قابلة للاستخدام في مجال تصنيع الدارات والشرائح الإلكترونية المتكاملة. بشكلٍ أساسي، ومن أجل جعل تفاصيل الشريحة الإلكترونية أصغر، فإنه يحب استخدام حزمة ضوئية أضيق من أجل تحديد ورسم التفاصيل والمميزات الخاصة بالدارة بشكلٍ دقيق. معظم التقنيات الحالية تعتمد على شعاع ليزري من فلوريد الأرغون بطول موجةٍ قدره 193 نانومتر (كلما تناقص طول الموجة، كلما ارتفع تردد الحزمة وكلما ازدادت كمية الطاقة التي يمكن أن تحملها). بالنسبة لتقنية EUV، فإنها تعتمد على شعاع من الأمواج فوق البنفسجية بطول موجة قدره 13.5 نانومتر، أي الشعاع ذو طول موجة أقصر بكثير، وذو طاقةٍ أكبر فضلاً عن كونه أضيق، مما يجعله مُناسباً أكثر للاستخدام في مجال رسم تفاصيل ومميزات الشرائح الإلكترونية عند أبعادٍ فائقة الصغر من رتبة 7 نانومتر. قبل الإعلان الأخير من شركة IBM، لم تتمكن أي شركة أخرى من جعل تقنية EUV جاهزة للاستخدام بشكلٍ موثوق وفعال. لم تُعطي الشركة أية تفاصيل عن كيفية تطويرهم للتقنية، وما هي الطرق والأدوات التي تم استخدامها في سبيل الحصول على قدرات وإمكانيات تقنية EUV. بكل الأحوال، فإن الوصول لنقطة يمكن فيها استغلال هذه التقنية بشكلٍ فعليّ بدلاً من الدراسات النظرية هو أمرٌ هام بحد ذاته.

ماذا عن الشركات الأخرى؟

حالياً، فإن تصنيع الشرائح المتكاملة بدقة تصنيع 10 نانومتر قد دخل حيز الاستثمار التجاري عبر شركاتٍ مثل إنتل، TSMC، GlobalFoundries وسامسونج. قد يكون من الصعب التنبؤ بموعد دخول تقنية التصنيع بدقة 7 نانومتر إلى حيز التّطبيق التجاري، ونظرياً، فإن هذه التقنية من المفترض أن تصبح مُستخدمة على الصعيد التجاريّ ما بين عامي 2017 و 2018.

أخيراً، يبدو أن شركة إنتل تواجه تحدياً مذهلاً، خصوصاً فيما يتعلق بتحقيق خطوات تقنية هامة تفصلها عن المنافسين الآخرين، فالشركة التي تمكنت سابقاً من أن تكون أول شركة تقوم بتصنيع الشرائح بدقة 14 نانومتر، يبدو أنها لا تزال عاجزة عن تخطي دقة تصنيع تحت 10 نانومتر. فضلاً عن ذلك، فإن التقديرات النظرية تشير إلى تقنية التصنيع الجديدة بدقة 7 نانومتر من شركة IBM ستعني أنه سيكون بالإمكان تصنيع معالجاتٍ حاسوبية بدرجة تكامل فائقة، تصل إلى 20 مليار ترانزيستور على الشريحة! هذا رقم هائل جداً، بالمقارنة مع الوضع الحالي لمعالجات معمارية Broadwell-U الخاصة بشركة إنتل، والتي تمتلك قرابة 1.9 مليار ترانزيستور على الشريحة.

المصادر: هنا و هنا و هنا و هنا

للمزيد من المقالات الخاصة بتطور المعالجات الحاسوبية وتقنيات التصنيع:

ما هو السليكون؟ ولماذا يستخدم في صناعة الرقاقات الإلكترونية؟

ماذا يعني قانون مور في تطور المعالجات الحاسوبية؟

شركة إنتل تكشف عن المعمارية الميكروية الجديدة بدقة 14 نانومتر

كيف تعمل الأشياء: المعالجات الصغرية

معدل إنتاج الترانزيستورات قد وصل إلى مستوياتٍ فلكية!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى