النواقل الفائقة: رابط فيزيائي لسلوك الالكترونيات الغريب في النواقل الفائقة مرتفعة درجة الحرارة
عثر العُلماء على أدلةٍ جديدة لأحد الخصائص الإلكترونية الأكثر حيرةً في النواقل الفائقة ذات درجة الحرارة المرتفعة ومعدنية المنشأ، مثل خليطة الباريوم-النيكل-الزرنيخ-الحديد. ترأست جامعة رايس (Rice University) في الولايات المتحدة فريقاً يتضمن فيزيائيين من الصين، ألمانيا والولايات المتحدة، وقد نشر هذا الفريق الدلائل الأولى المُستندة على قياساتٍ مُعقدة للنيترونات، حول وجود صلة ربط بين الخصائص المغناطيسية وميول المواد Material’s Tendency في درجات حرارة منخفضة بما فيه الكفاية، لتصبح نواقل فائقة بدرجاتٍ معينة، أكثر من غيرها.
يحدث السلوك الغريب، الذي تم تسجيله في عددٍ من المواد، في درجة حرارة أعلى بقليل من الدرجة المطلوبة لإحداث المغنطة. تعتبر ظاهرة المغنطة أساسيةً لتشكيل الناقلية الفائقة في درجات الحرارة العالية. في دراسةٍ جديدة تم نشرها في مجلة Science Express، قدّم العلماء في جامعة رايس، الأكاديمية الصينية للعلوم في Beijing والجامعة التقنية في ميونخ (TUM) أدلةً على أن منشأ السلوكيات المعتمدة على الاتجاه Directionally Dependent Behavior تنشأ من الخواص الفيزيائية للمواد وليس من الشوائب الدخيلة (Extraneous Impurities)، كما كان مطروحاً من قبل.
تستند الأدلة الجديدة على تجارب تشتت النيترونات المعقد واللامرن التي نُفِذت على عدة عينات من الباريوم-حديد-نيكل-زرنيخ في مطياف PUMA ثلاثي المحاور في جامعة TUM في ألمانيا. يأمل الباحثون أن هذه الأدلة ستفسر الأساس الفيزيائي لظاهرة الإلكترونيات المعتمدة الاتجاه (Directionally Dependent Electronics) والتي تم مشاهدتها بعددٍ مُختلف من المواد ذات الناقلية الفائقة.
” غالبية النواقل الفائقة مرتفعة درجة الحرارة والعديد من المُركبات المرتبطة بها ارتباطاً وثيقاً، تتعرض إلى عددٍ من المراحل الالكترونية الغريبة”. كما يقول PengCheng Dai، بروفيسور الفيزياء والفلك في جامعة رايس وأحد المؤلفين الأساسيين للدراسة، ويتابع توضيحه :” يسمح لنا الشتت اللامرن للنيترونات والتقنيات الأخرى باستكشاف الأساس الفيزيائي للعديد من هذه المراحل الإلكترونية الغريبة”.
يعتبر تفسير الناقلية الفائقة مرتفعة درجة الحرارة التحدي الأول في فيزياء المادة المكثفة Condensed Matter Physics. تم تسجيل ظاهرة النواقل الفائقة مرتفعة درجة الحرارة لأول مرة عام 1986، وتتميز هذه الظاهرة بمقاومة كهربائية قيمتها صفر في بعض مواد السيراميكية البلورية بدرجة حرارة أقل من درجة الحرارة الحرجة Critical Temperature. ففي الحالة الاعتيادية من النواقل الفائقة، فإن تحول المادة من حالة الناقلية العادية إلى حالة الناقلية الفائقية يتطلب تبريدها لدرجة حرارة أقل من قيمة محددة هي “الدرجة الحرجة” والتي تكون قريبة جداً من الصفر المطلق. بالنسبة للنواقل الفائقة مرتفعة درجة الحرارة فإن درجة حرارة التحول ليست لهذه الدرجة من البرودة، فهي تتراوح بين 50 و 150 كلفن فوق الصفر المطلق. على الرغم من أنها تبقى درجات حرارة باردة بالنسبة لنا، إلا أنها مُرتفعة نسبياً بالمقارنة مع درجات الحرارة المطلوبة للنواقل الفائقة التقليدية.
كالعديد من النواقل الفائقة مرتفعة درجة الحرارة، فإن خليطة باريوم-حديد-نيكل-زرنيخ هي مركب بلوري. يتألف تركيبها الجُزيئي من طبقاتٍ من ذرات الزرنيخ والباريوم والتي تقع بين مساحاتٍ مُربعة من ذرات الحديد. ثم يتم وضع ذرات النيكل بدل الحديد لضبط الخصائص الفيزيائية للمادة. تنتظم الذرات ضمن البنية البلورية بنمطٍ يَجعلها تتطابق في الاتجاهين اليميني واليساري (محور X)، الأمامي والخلفي (محور Y)، ولكن ليس في الأعلى والأسفل (محور Z).
في درجة حرارة الغرفة، تعمل المواد كما هو مُتوقعٌ منها، حيث تقوم بنقل الكهرباء بشكلٍ مُتساوي عبر محوريها الأفقيين (X و Y). و لكن حين يتم تبريد المواد إلى درجة الحرارة الحَرجة للمغنطة، تمر المواد بمرحلة تكون فيها المقاومة الكهربائية أعلى بأحد الاتجاهات. أطلق الفيزيائيون على السلوكيات المعتمدة على الاتجاه مصطلح ” المقاومة متباينة الخواص Anistropic Resistance”.
في الدراسة الجديدة، أطلق Dai وزملاؤه على بلورات باريوم-حديد-نيكل-زرنيخ عدداً من النيترونات. تظهر القياسات الناتجة عن تشتت النيترونات التشكيل الجُزيئي للمواد في تفاصيلٍ رائعة، كما تسمح اختبارات تشتت النيترونات اللامرن للفيزيائيين برؤية الخواص المُتذبذبة للمواد. في تجربة الشتت اللامرن المُمغنط التي حدثت في TUM، جلبت النيترونات الواردة موجاتٍ مغناطيسية استمرت فترة زمنية قليلة في البلورات. وبشكل مفاجئ، كانت شدة هذه الأمواج المغناطيسية مُختلفة في الاتجاه X عن الاتجاه Y. وكشفت التجارب أن هذه الإثارة المغناطيسية المعتمدة على الاتجاه في بلورة زرنيخ-نيكل -حديد-باريوم يحدث بالضبط في نطاق درجة الحرارة نفسها التي تحدث فيها المقاومة مُتباينة الخواص، وبالتالي عُثِرَ على ارتباط مصيري بين هاتين الظاهرتين.
Andriy Nedvidomskyy، عالم في الفيزياء النظرية في جامعة رايس ومساعد في هذا البحث، استخدم الحشد الجماهيري المتجمع في ملعب لمشاهدة حدث رياضي. كوسيلة للقياس، وكمساعدة لفهم ما يحصل بالضبط.
” خلال المباراة، تكون كل عيون المشاهدين على الملعب، وهذا يعتبر كالمَرحلة المُرتبة التي تصف جميع الأفراد في الحشد بالنسبة لبعضها البعض”. يقول Nedvidomskyy، ويتابع :”هذه المرحلة تتوافق مع الترتيب الجماعي للالكترونات الذي نراه في المَغنطة والناقلية الفائقة. من ناحية أخرى، الترتيب المختل الذي نلاحظه في درجة حرارة الغرفة، يتوافق مع الفوضى التي نراها في الحشد قبل ساعة من بدء المباراة عندما الناس يلتفتون من جانب إلى آخر وينظرون أحيانا نظرة عابرة في الملعب.”
” مرحلة المقاومة متباينة الخواص التي وجدناها في دراساتنا تتمثل باللحظة قُبَيلَ بدء المباراة، عندما يكون الأفراد مازالوا ينظرون بشكل عشوائي ولكنهم على يقين أن المباراة ستبدأ،” يقول Nedvidomskyy. “نبضات النيترونات الواردة تتناسب مع إطلاق الصفارة على الملعب. ولجزءٍ من الثانية، الحشد يتفاعل بالشكل ذاته مع الصفارة، وكلّ فرد من أفراد الحشد يتحول إلى معرفة ما إذا كانت قد بدأ اللعبة. الأفراد في الحشد سرعان ما يعودوا إلى سلوكهم العشوائي، ولكن كشفت الصفارة ترتيباً لم يكن موجوداً قبل ساعة.”
تجارب تشتت النيترونات اللامرن أظهرت نوعاً من السلوك القياسي في باريوم-حديد-نيكل-زرنيخ. في درجات الحرارة العالية، لم تُظهر نبضات الطاقة أي ترتيب أساسي. الترتيب الجماعي ذو الخواص المتباينة والمؤقت حدث فقط خلال فاصلٍ حراري مُحدد قبل ظهور المغنطة حيث تم قياس المقاومة متباينة الخواص.
عالم الفيزياء النظرية Qimiao Si، وهو مساعدٌ آخر في البحث، يقول أن السلوك المغناطيسي الذي شوهد في تجارب التشتت يعكس الطريقة الديناميكية التي تلتف فيها الالكترونات في المواد.
“هذا الالتفاف متباين الخواص يسلط ضوءاً جديداً على الأصول المَجهرية للمراحل الإلكترونية في النواقل الفائقة الحديدية”. يقول Si، ويتابع توضيحه :” هذا الأمر قد يساعدنا في تفسير التفاعل بين المغنطة والناقلية الفائقة وبشكلٍ أوسع، آلية حدوث الناقلية الفائقة في النواقل الفائقة الحديدية”.
للاطلاع على البحث المنشور في مجلة Science : اضغط هنا.
المصدر: [ScienceDaily]