سلسلة روبوتات ليغو: تعرف على روبوتات ليغو
في العالم الذي نعيش فيه اليوم، فإن كلمة “روبوت” أصبحت من الكلمات المألوفة جداً بالنسبة لنا. فالروبوت، بمعناه العام، هو الرجل الذي الآلي الذي يقوم بتنفيذ الأوامر التي نطلبها منه، باستخدام الأذرع والمحركات والعقل البرمجي المزود به. لو غصنا أكثر بالمعنى الدقيق لكلمة “روبوت”، فهي المصطلح الهندسي الذي يشير لنظام تحكمي، يتألف من مكونات ميكانيكية مترابطة مع بعضها البعض، ومزودة بمعالج رقمي يمكن برمجته، من أجل تنفيذ مهمة محددة، أو مهمات متنوعة، وذلك عبر تزويده أيضاً بجملة من الحساسات التي تساعده على إدراك البيئة المحيطة به.
الآن، لنفرض أنك تريد أن تخبر طفلاً أو يافعاً عن أهمية الروبوتات بحياتنا اليومية، وروعة العمل بمجال تصميم الأنظمة الروبوتية، فماذا ستقول له؟ وكيف ستقنعه بأن تصميم وبرمجة الروبوت أمرٌ ممتع وجميل؟ إن كنت طالب هندسة تقنية بمجال الميكانيك أو بمجال الالكترونيات والحواسيب أو أي مجال آخر على صلة بالروبوتات، فإنك غالباً ستبدأ حديثك عن التحسينات التي وفرتها الروبوتات بالعمليات الصناعية، أو الاكتشافات العلمية، وربما تذكر المتجولة المريخية الروبوتية الشهيرة “كوريوسيتي” التي تم إطلاقها عام 2012 لتكتشف سطح المريخ. أليس كذلك؟ حسناً، حاول أن تقوم بذلك، وراقب ردة فعل الطفل على كلامك. غالباً، سيكون كلامك هذا سبباً بنفور الطفل وعدم حبه للروبوتات، وربما التخصصات الهندسية بأكملها.
الطفل، وحتى اليافع، يرغب دوماً بأمر واحد: المتعة والتسلية. هذه حقيقة لا يجب إنكارها، ولا يجب التهرب منها. وشركة ليغو قد أدركت هذه الحقيقة تماماً، وعلمت مدى أهميتها في تطوير العملية التعليمية. ولهذا السبب، فقد عملت شركة ليغو بالتعاون مع معهد ماساتشوستس للتقانة MIT عبر مخبر الوسائط المتعددة الخاص بالمعهد MIT Media Lab لإنتاج بيئة برمجية بسيطة، يمكن عبرها برمجة روبوتات مصنوعة من قطع الليغو. تم تطوير العمل في جامعة كولورادو، وتم إنتاج أول بيئة برمجية فعالة لبرمجة الروبوتات المصنوعة من شركة ليغو عام 1994.
ما هو الهدف من هذه البيئة؟ حسناً، عد بذاكرتك لأيام طفولتك، وتذكر كم كان ممتعاً بالنسبة لك العمل بقطع وألعاب ليغو. بناء المنازل البسيطة والحديقة الجميلة المقابلة له، ثم تختار شخصيات ألعاب ليغو لتضعها ضمن المنزل على أنها سكان المنزل، أو قيامك بتصميم نموذج سيارة بسيطة اعتماداً على قطع ليغو، أو حتى طائرة، أو غيرها من الأدوات التي تراها كل يوم. هذه المتعة يمكن أن تسخر أيضاً كي تجعل الطفل مدركاً لمدى بساطة ومتعة تصميم الروبوت، وهذا ما قامت به شركة ليغو بالتعاون مع الشركات التقنية والمؤسسات الجامعية مثل: National Instruments LabView, MIT, Colorado University وغيرها.
نتيجة العمل كانت تطوير حزمة متكاملة، تتكون من مجموعة من القطع الميكانيكية المختلفة: مسننات، محاور، براغي، دواليب، عجلات، وغيرها من قطع ليغو التقليدية. أضف إليها مجموعة من المحركات، والحساسات، والقطعة التحكمية القابلة للبرمجة، التي يمكن وصل الحساسات إليها، وكذلك المحركات التي تعمل على تدوير الدواليب أو الأذرع.
تتميز هذه الحزمة المتكاملة بسهولة التعامل معها: فهي مصنوعة من قطع البلاستيك، ومصممة وفقاً لتصميمات ليغو المميزة، والمحببة لدى الأطفال، مما يجعل إمكانية تنفيذ تصميم عبرها أمراً بسيطاً وممتعاً بنفس الوقت. بالنسبة لبرمجة الروبوت، وجعله قادراً على تنفيذ الأوامر المطلوبة منه، فالأمر أيضاً سهل، ويتم باستخدام البرنامج الحاسوبي المطور عن بيئة LabView والذي يعتمد البرمجة التفاعلية عبر الكتل Blocks، وليس عبر كتابة نص برمجي Code. وللتوضيح أكثر، فقد تم تخصيص كتلة لكل مهمة يراد تنفيذها: هنالك كتلة مسؤولة عن عمل المحرك، وهنالك كتلة مسؤولة عن حساس الضوء، وهنالك أخرى لحساس الصوت، وكتلة من أجل الإظهار على الشاشة الخاصة بالروبوت، وهكذا دواليك بالنسبة لكافة القطع الصلبة التي تتطلب تحكماً برمجياً. عملية البرمجة تتم عبر وصل الكتل ببعضها البعض، حيث يتم تنفيذ الأوامر المضمنة بهذه الكتل تسلسلياً Sequentially.
الآن لنعد للبداية، ولننظر لما قمنا به: لقد انتقلنا من جعل مفهوم الروبوت والأنظمة الذكية أمراً صعباً ومعقداً، لأمر بسيط يتطلب توصيل قطع الليغو ومن ثم إرسال البرنامج عبر واجهة تفاعلية بسيطة ومميزة، وبالنسبة للطفل، فإن البساطة والمتعة اللتين توفرانها روبوتات ليغو بالنسبة له هو أمرٌ رائع وممتع. الآن أصبح الطفل قادر على الشعور واللمس بروعة ومتعة العمل الهندسي، وبذلك يكون العمل الهندسي المعقد قد انتقل لمستوى الطفل، مستوى اللعب والمتعة والتسلية.
وكي تكون الأمور أفضل وأفضل، تم إجراء تعاون بين شركة First (تم إنشاؤها عام 1989 بهدف إلهام الطلاب واليافعين للدخول بالمجالات العلمية والهندسية) وشركة ليغو لإطلاق أول بطولة عالمية لتصميم الروبوتات وبرمجتها وذلك للأطفال واليافعين من عمر 9 وحتى عمر 16، وتم تسمية البطولة FLL: First Lego League. ومنذ عام 1999 وحتى اليوم، والبطولة مستمرة، وتشهد تزايداً كبيراً بعدد الفرق والدول المشاركة، كما تشهد اهتماماً إعلامياً متزايداً عاماً بعد عام.
لم تتوقف بطولات روبوتات ليغو على بطولة FLL فقط، ففي عام 2004، تم إحداث بطولة أولمبياد الروبوت العالمي WRO: World Robotic Olympiad، عبر تعاون مجموعة من دول جنوب شرق آسيا. واليوم، أصبحت بطولتي WRO وFLL هما العنوانين العريضين لبطولات الروبوت لليافعين والأطفال حول العالم.
تتضمن بطولة WRO أربع فئات أساسية: الفئة النظامية، الفئة المفتوحة، الفئة النظامية الجامعية، ومسابقة كرة القدم. كل فئة لها المسابقة الخاصة بها، ولها شروطها، ولها قوانينها، ولكن هذه الفئات الأربع تشترك جميعها باستخدام روبوتات والقطع المزودة من شركة ليغو من أجل تصميم الروبوتات وبرمجتها.
في سورية، فإن بطولات الروبوت يتم تنظيمها عبر شركة “فكرة” لتنمية الموارد التعليمية، وهي الوكيل المحلي للشق التعليمي من شركة ليغو Lego Education. بدأت بطولات الروبوت في سورية عام 2004، وبدأت بطولة WRO في سورية عام 2011.
ينتظر محبو الروبوتات والهواة الحدث المرتقب بشهر أيلول من العام الحالي، حيث ستجري فعالية بطولة أولمبياد الروبوت العالمي في سورية لعام 2014، وذلك ضمن حرم جامعة دمشق، بمشاركة أكثر من 20 فريق مختلف من أنحاء القطر. الفائزون بالمسابقة المحلية مؤهلون للمشاركة بالمسابقة العالمية التي ستجري في روسيا بشهر تشرين الثاني من نفس العام.
تتميز بطولة WRO بالتحديات الصعبة من حيث التصميم الميكانيكي للروبوتات، فمهامها تتطلب تصميماً دقيقاً للروبوت ليكون قادراً على صعود بعض المرتفعات، أو حتى الأدراج، فضلاً عن كونه يحمل العديد من القطع والأشياء الواجب نقلها من مكان لآخر. يتم اختيار شعار سنوي للبطولة تتمحور كافة المسابقات والتحديات حوله. الشعار الحالي هو “الروبوت والفضاء Robot and Space”. الهدف من اختيار شعار سنوي للبطولة هو تعريف الأطفال على المجالات التي يؤثر بها الروبوت بشكلٍ كبير، والتي يقدم فيها خدماتٍ كبيرة.
بطولات الروبوتات هذا العام ستكون متميزة أيضاً بفضل خبر هام آخر: يمكن للفرق استخدام تقنية Mindstorms EV3 الحديثة من شركة ليغو، والتي تم إطلاقها العام الماضي. التقنية الأساسية المستخدمة هي NXT 2.0 والتي تم إطلاقها عام 2007، وتتضمن بشكلٍ أساسي 3 محركات و 4 حساسات والقطعة البرمجية التحكمية NXT Brick بالإضافة للبيئة البرمجية NXTg. تقنية EV3 لا تختلف كثيراً عن سابقتها، إلا أنها تتضمن ميزاتٍ تقنية رائعة، من حيث حجم الذواكر، والقدرة على التخاطب اللاسلكي، وإمكانية استخدام 4 محركات بدلاً من 3، كما أن نواة المعالجة فيها أقوى وأفضل من نواة المعالجة الخاصة بتقنية NXT 2.0، فقد كانت النواة القديمة مبنية على معالج ARM7 بسعة 32 بت، أما النواة الحديثة فهي مبنية على معالج ARM9 بسعة 64 بت.
من هذه النقطة الأخيرة نختم: تخيل طفلاً، يتعلم تصميم وبرمجة الروبوتات، باستخدام تقنيات حديثة جداً، بدون أن يكون مضطراً للاطلاع على تفاصيل هذه التقنيات وخصائصها، إنه أمرٌ ممتع ورائع، ومشجع جداً بالنسبة للطفل كي يرغب بالمستقبل بالدخول بمجال الدراسة الهندسية والتقنية، فضلاً عن أنها تخرج ما في عقل الطفل من إبداع، لأنه سيقوم بتنفيذ أفكاره بشكلٍ مباشر، وليس تخيلها أو الحلم بها. الآن، تخيل طالب هندسي ملم بالتفاصيل التقنية والبرمجية، ويمتلك المعارف الميكانيكية والبرمجية التي تؤهله لتصميم روبوت فعال، ما الذي سيتمكن من تصميمه وتنفيذه؟ نترككم مع هذا السؤال، ليكون حافزاً لكم لتعلم تصميم وبرمجة الروبوتات باستخدام تقنيات ليغو.
للمزيد:
1- الموقع الخاص بسلسلة Mindstorms من شركة ليغو
4- الكورس التعليمي Lego Robotics من معهد ماساتشوستس للتقانة
badwawe66@hotmail.com