علوم الحاسب

ما بعد الحاسوب الفائق Tianhe-2

في شهر حزيران/يونيو من العام الحالي، صدر الإعلان نصف السنوي لأقوى 500 حاسوب فائق حول العالم، وقد تصدر الحاسوب الفائق Tianhe-2 الصيني القائمة، محافظاً على ترتيبه السابق. هذا الحاسوب – والذي فاز بجائزة أقوى حاسوب فائق حول العالم لثلاث مرات – يتمتع بقدرة معالجة خارقة تبلغ 33.86 بيتا فلوب (أي ما يعادل 33.86 كوادرليون عملية حاسوبية بالثانية الواحدة!)، وهي قدرة حاسوبية تعادل ضعف القدرة التي يتمتع بها أقرب منافسيه، وهو الحاسوب الفائق “تيتان Titan” التابع لمختبر أوك ريدج الوطني.

يعتمد التصنيف على معيار LINPACK والذي يقيس قدرة الحواسيب على حل أنظمة معقدة من المعادلات الخطية، وعلى الرغم من أن هذه الطريقة تعتبر طريقةً مقنعة لتصنيف أداء الحواسيب، إلا أنها لا تعكس بشكلٍ دقيق كل المهام التي تواجه الحواسيب الفائقة أثناء عملها، وبشكلٍ خاص، تضطر بعض الحواسيب أثناء عملها لتحليل ومعالجة قواعد بيانات ضخمة، وبمثل هكذا حالات، فإن قدرة الحاسوب على تحديد مواضع الاتصال بين نقاط البيانات المختلفة سيكون أكثر أهمية من قدرة الحواسيب على إجراء عمليات حسابية عددية. حالياً، فإن قدرة الحواسيب الفائقة على تحديد مثل هكذا مواضع اتصال تم أخذها بعين الاعتبار وبشكلٍ أساسي في نظام Graph500 لتصنيف الحواسيب.

إذا تم جمع كافة القدرات الحاسوبية للحواسيب الفائقة الـ 500 الداخلة بالتصنيف، فإنها ستبلغ 274 بيتا فلوب، وهي أكثر من الرقم الإجمالي للتصنيف السابق الصادر بشهر تشرين الثاني/نوفمبر من عام 2013، حيث بلغت القدرة الإجمالية لكافة الحواسيب الداخلة بالتصنيف 250 بيتا فلوب. على الرغم من هذه الزيادة، إلا أننا لو قمنا بمتابعة معدل زيادة القدرة الحاسوبية الإجمالية لكافة الحواسيب الداخلة بالتصنيف، لوجدنا أن هنالك تباطؤاً بقيمة زيادة القدرات الحاسوبية، ومع ذلك، فإن القائمين على التصنيف يجدون أن حاجز الاكسا فلوب سيتم تجاوزه بحلول عام 2020.

بالعودة للتصنيف، فإن الأخبار التي تقول أنه لا يوجد منافس حالي حقيقي للحاسوب الأقوى في العالم قد تصيب البعض بخيبة الأمل، وهي تطرح أيضاً بعض الأسئلة المتعلقة بالوصول لعتبة الاكسا فلوب كقدرة معالجة للحواسيب. مع ذلك، فإن الجهود الحثيثة والتي تهدف للوصول لعتبة معالجة قدرها 1000 بيتا فلوب (أي 1 اكسا فلوب) قد بدأت تتزايد. على سبيل المثال، قامت الحكومة اليابانية باختيار مختبر RIKEN (والتي احتل حاسوبها المركز الرابع في تصنيف أقوى 500 حاسوب فائق) من أجل تطوير حاسوب فائق يصل لعتبة الاكسا فلوب كقدرة معالجة، وذلك بحلول عام 2020. جمعية Mont-Blanc الأوروبية تهدف أيضاً للوصول لعتبة الاكسا فلوب في قدرة المعالجة، وذلك عبر الاعتماد على معالجات ARM. إن كنت لا تعرف ما هي معالجات ARM، يسعدنا أن نخبرك أنها المعالجات التي تضيف الأداء القوي والمترافق مع استهلاك الطاقة المنخفض في الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية.

يمتلك الباحثون في المخابر والمراكز العلمية البحثية حول العالم العديد من الأسباب التي تدعوهم للحصول على حواسيب ضخمة بقدرة معالجة من رتبة الاكسا فلوب. السبب الأساسي والرئيسي لهذه الرغبة هو حاجة العلماء والباحثين للمزيد من المعطيات والمزيد من قدرة المعالجة لهذه المعطيات الهائلة. على سبيل المثال، فإن الجيل التالي من التلسكوبات الفضائية الراديوية ستكون قادرة على تخزين كميات كبيرة جداً من المعطيات، وهي تزيد عن قدرة الحواسيب الحالية على المعالجة. يأمل العلماء أن تؤمن لهم التطورات بمجال الحواسيب الفائقة الحصول على أنظمة محاكاة ونمذجة فيزيائية أفضل، بما يتضمن أنظمة محاكاة ونمذجة حالة الطقس والتغيرات المناخية على كوكب الأرض، وأنظمة محاكاة ونمذجة عمل الجسم البشري، وكذلك تصميم مواد ذكية وجديدة.

حالياً، فإن أحد أشهر المبادرات العلمية العالمية، وهي مبادرة “مشروع دماغ الإنسان Human Brain Project” تنتظر الحصول على حاسوب بقدرة معالجة من رتبة الاكسا فلوب، فعبر الحصول على حواسيب بهذه القدرات الفائقة من المعالجة، يأمل العلماء والباحثون أن يتمكنوا بنجاح من محاكاة عمل دماغ الإنسان البشري بكفاءةٍ وأداء عالي، مما سيسمح لهم بدمج ودراسة كل ما يتعلق بكيفية عمل الدماغ في معالجة المعلومات.

بعيداً عن الآمال والتوقعات المرجوة من حواسيب بقدرات معالجة فائقة من رتبة الاكسا فلوب، علينا أن نتحدث ببعض الشؤون التقنية الهامة، فمثل هكذا آلات ستواجه نفس المشاكل – إن لم تكن أكثر – التي تواجهها الحواسيب الحالية والتي تمتلك قدرة معالجة من رتبة البيتا فلوب، مثل الاستهلاك الشديد للطاقة، والصعوبات بمجال نقل المعلومات بين الخطوط التفرعية الحوسبية، والحاجة لإجراء عملية مقايضة – إن صح التعبير – فيما بين الحوسبة التخصصية والمرونة. فضلاً عن أن حواسيب ذات قدرة معالجة من رتبة الاكسا فلوب تعني الحصول على قوة معالجة أقوى بـ 30 مرة من أقوى حاسوب فائق موجود الآن. هل صدمك الكلام السابق؟ حسناً، هذا هو الكلام الواقعي الذي يهم مصنعي ومصممي مثل هكذا حواسيب، وهذه هي القضايا التي يجب أن يتم الانتباه إليها من الناحية الهندسية والتقنية. بالنسبة للعلماء والباحثين الذين يأملون الحصول على مزيد من قدرات المعالجة والتخزين، فإنهم غير معنيين بكيفية الوصول لهذه القدرات، كل ما يهمهم هو المزيد والمزيد من التقدم! حسناً، حالياً عليهم أن ينتظروا بعض الوقت، ريثما يقوم المهندسون هنا وهناك بالإبداع والابتكار للوصول لما يرغبون به.

المصدر: موقع مجلة IEEE Spectrum

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى