ما هي الحواسيب الكمومية، وكيف تعمل؟
تمثل الحواسيب الكمومية أحد أبرز الآفاق الجديدة في تطور الحواسيب والصناعة التقنية ككل وذلك بسبب سرعة وكفاءة المعالجة غير المسبوقة التي قد توفرها.
مدخل: حول الحاجة لمزيد من قدرات المعالجة
لم تتمكن قدرة المعالجة المتزايدة التي تمتلكها الحواسيب من إشباع حاجاتنا المزايدة، ففي عام 1947 صرّح مُهندس الحواسيب الأمريكي هوارد أيكن أن ستة حواسيب الكترونية رقمية فقط ستُلبي حاجة الولايات المتّحدة للحوسبة. وقد أعطى غيره توقعاتٍ مُماثلة خاطئة عن كمية الطاقة الحاسوبية التي ستُلبي حاجاتنا التقنية المتزايدة. بالطبع، لم يمتلك أحد في ذلك الوقت معلوماتٍ كافية حول شكل وكيفية التطور التقني المقبل، مثل انتشار أجهزة الحواسيب الشخصية أو ظهور شبكة الإنترنت والتي جعلتنا بحاجة مستمرة لمزيد من الطاقة وقدرات المعالجة الحاسوبية.
على صعيدٍ آخر، تبدو تقنيات تصنيع المعالجات الحاسوبية والشرائح الإلكترونية الحالية وكأنها قد قد وصلت حدودها القصوى، ومن المتوقع أن التقنيات المستخدمة حالياً لن تكون قادرة على زيادة قدرة الحواسيب على المعالجة وزيادة سرعة وقوة المعالجات الحاسوبية، وذلك ضمن مدى زمني لا يتجاوز 10 سنوات.
- اقرأوا أيضاً: هل وصلنا إلى حدود القدرات الحاسوبية؟
التفت العلماء والباحثون لإيجاد بدائل يمكن عبرها ضمان تطور قدرات المعالجة الحاسوبية وما يترافق مع ذلك مع أمورٍ هامة مثل تطور معايير التشفير وسلام وآمانة نظم الاتصالات، وبهذا الخصوص يبرز اسم الحواسيب الكمومية كأحد أبرز المرشحين لرسم وجه حواسيب المستقبل.
قام العلماء ببناء حاسوب كمومي بشكلٍ نظري والذي يستطيع القيام بعمليات حسابية معينة، ولكن الحاسوب الكمومي العملي والفعلي لايزال على بعد سنوات من الآن. في هذا المقال سنتعرّف على الحواسيب الكمومية ومالذي ستُستخدم به خلال حقبة الحوسبة القادمة.
تعريف الحواسيب الكمومية
آلة تورينج والتي وضعها آلان تورينج في ثلاثينيات القرن الماضي، هي آلة نظرية تتألف من شريط لانهائي الطول مُقسم إلى مربّعات صغيرة، كل من هذه المربّعات يَحمل الرمز 1 أو 0 أو يبقى فارغاً. يقوم جهاز (قراءة/كتابة) بقراءة هذه الرموز والفراغات وهذا ما يعطي الآلة التعليمات لتقوم بعملٍ ما. هل يبدو هذا مألوفاً؟ الآن في آلة تورينج الكمومية الفرق أنّ الشريط ورأس (القراءة/كتابة) يوجد في حالةٍ كمومية وهذا يعني أنّ الرموز على الشريط يمكن أن تكون 0 أو 1 أو حالة مُختلطة من 0 والـ 1. بعبارة أخرى الرموز تكون 1 و 0 (وكل النقط بينهما) في نفس الوقت. فبينما تقوم آلة تورينج العادية بتنفيذ عملية واحدة في وقت واحد، تقوم آلة تورينج الكمومية بتنفيذ العديد من العمليات في نفس الوقت.
تعمل حواسيب اليوم –كآلة تورينج- بمعالجة البيتات الموجودة في حالتين 0 أو 1. الحواسيب الكمومية ليست مُقيّدة بحالتين فهي تُرمز المعلومات على شكل بيتات كمومية أو اختصاراً (qubits) والتي يمكن أن توجد في الحالة المختلطة. يمكن تمثّيل البتات الكمومية عبر: ذرّات، أيونات، فوتونات أو إلكترونات والأجهزة التي تتحكّم بها والتي تعمل معاً فتصبح ذاكرة أو معالج. لأنّ الحواسيب الكمومية تحوي هذه الحالات المُتعددة وبنفس الوقت، فهي تملك القدرة على أن تكون أقوى بملايين المرات من الحواسيب الفائقة الموجودة اليوم.
- اقرأوا أيضاً: مقارنة بين الحواسيب الكمومية والحواسيب التقليدية
الحالة المُختلطة للبيتات الكمومية هي ما يعطي الحواسيب الكمومية خاصيتها بالحوسبة التفرعية، والتي تعتبر أمراً متأصلاً بها. وفقاً للقيزيائي ديفيد ديوستش، يسمح هذا التوازي (أو التفرع) للحواسيب الكمومية أن تعمل على ملايين العمليات الحسابية بنفس الوقت بينما يعمل حاسوبك المَكتبي على عملية واحدة فقط . فحاسوب كمومي بقدرة 30-بت كمومي يمتلك قدرة معالجة مُكافئة لقدرة حاسوب تقليدي يعمل بـ 10 تيرا فلوب (تيرليونات من عمليات الفاصلة العائمة في الثانية)، وبالمقارنة، فإن الحواسيب المكتبية اليوم تعمل عند سرعاتٍ من رتبة جيجا فلوب.
تستخدم الحوسيب الكمومية جانباً آخر من الميكانيك الكمومي، وهو ما يُعرف بظاهرة التّشابك الكمّي Quantum Entanglement. هنالك مشكلة تواجهنا عند طرح فكرة االحواسيب الكمومية وهي: أنك إذا نظرت إلى الجُسيمات دون الذرية فإنك قد تُخرّبها، وبهذه الطريقة تُغيّر من قيمتها. إذا نظرت إلى البيتات الكمومية في حالتها المُختلطة لتحدد قيمتها فإنها ستأخذ القيمة 0 أو 1 ولكن ليس الاثنتين (وهذا ما سيحول حاسبك الكمومي الأنيق إلى حاسب رقمي تقليدي). هذا الأمر نابع من أحد المشاكل الأساسية بالميكانيك الكمي، وهي مُعضلة “القياس”. فإذا تواجد جسيمين بحالة التشابك الكمي، فإنه لا يمكن تحديد حالة الجسيمين معاً، بل يمكن تحديد حالة أحدهما فقط.
لصنع حاسوب كمومي عملي على العُلماء أن يجدوا طرقاً جديدة لإجراء القياسات بطريقةٍ غير مباشرة، وهذا للحفاظ على سلامة النظام. تقدّم لنا ظاهرة التشابك الكمّي حلّا محتملاً لهذه المشكلة. في الفيزياء الكمومية، إذا طبّقت قوّة خارجية على ذرّتين فإنّ هذه القوة قد تسبب تشابكهما وستأخذ الذرّة الثانية خواص الذرّة الأولى. وهكذا إذا تُركت لوحدها فإنها ستدور في جميع الاتجاهات وفي اللحظة التي تنزعج فإنها تختار دوران وحيد أو قيمة وحيدة في الوقت نفسه والذرة المتشابكة الأخرى ستختار دوران معاكس أو القيمة المعاكسة وهذا سيسمح للعلماء بمعرفة قيمة البت الكمومي دون النظر إليه مباشرة.
التحكّم بالبتات الكمومية
يتحكّم علماء الحواسيب بالأجزاء المجهرية التي تتصرّف كبتات كمومية في الحواسيب الكمومية مُستخدمين أجهزة تحكّم:
• لاقط الأيونات: يستخدم حقل ضوئي أو مغناطيسي (أو مزيج من الاثنين) لالتقاط الأيونات.
• اللواقط الضوئية: تستخدم الأمواج الضوئية لتتحكّم بالجزيئات.
• النُقط الكموميّة: تُصنع من مواد نصف ناقلة وتستخدم لتحوي الإلكترونات وتتلاعب بها.
• أنصاف نواقل مشوبة: تحوي الإلكترونات باستخدامها ذرّات “غير مطلوبة” موجودة في المواد نصف الناقلة.
• دارات فائقة الناقلية: تسمح للإلكترونات أن تتدفق من دون أي مقاومة تقريبا وعند درجات حرارة منخفضة.
الحواسيب الكمومية هذه الأيام
قد تتمكن الحواسيب الكمومية في يوم من الأيام أن تحل محل الشرائح السيلكونية، تماما كما حلّت الترانزستورات محل الأنابيبالمفرّغة.ولكن الآن التكنولوجيا المطلوبة لتطوير الحواسيب الكمومية ماتزال ليست في متناول أيدينا. معظم الأبحاث عن الحواسيب الكمومية لا تزال في معظمها نظريّة.
أكثر الحواسيب الكمومية تقدّما لم تستطع تجاوز 16 بت كمومي، ما يعني أن الحواسيب الكمومية لا تزال بعيدة عن التطبيقات العمليّة، ولكن الاحتمالات تؤكّد أنّ الحواسيب الكمومية ستستطيع في يوم ما أن تؤدّي العمليّات التي تستهلك وقتا بشكيل كبير على الحوايب التقليدية بسرعة وبسهولة. أُنجزت عدّة تطويرات هامة على الحواسيب الكمومية في السنوات السابقة.
- عام 1998:
تمكّن باحثون في جامعة إم آي تي MIT ومختبر لوس ألاموس Los Alamos من نشر بت كمومي وحيد في دوران ثلاث أنوية في كل جزيء من محلول الألانين (حمض أميني يستخدم لتحليل انهيار الحالة الكمومية) أو ثلاثي كلور الإيتيلين (هيدروكربون مكلور يستخدم لتصحيح الخطأ الكمومي) نشر البت الكمومي خارجا جعل تخريبه أصعب مما سمح للباحثين أن يستخدموا التشابك ليدرسوا التفاعل بين الحالات بشكل غير مباشر لتحليل المعلومات الكمومية. - عام 2000:
في آذار تمكّن العلماء في المختبر الوطني في Los Alamos من تطوير حاسوب كمومي بـ 7 بتات كمومية في قطرة واحدة من سائل. استخدم الحاسوب الكمومي الرنين النووي المغناطيسي لمعالجة الجزيءات في النوى الذرّية في حمض عبر كروتونيك، سائل بسيط يتكوّن من جزيئات مكوّنة من 6 ذرّات هيدروجين وأربع ذرّت كربون. يتم استخدام الرنين النووي المغناطيسي لتطبيق نبضات كهرومغناطيسية لتجبر الجزيئات على الاصطفاف. إن صطفاف هذه الجزيئات مع أو بعكس الحق المغناطيسي تسمح للحاسب الكمومي بأن يحاكي ترميز المعلومات بنظام البت في الحواسيب الرقمية. طوّر الباحثون في شركة آي بي إم IBM ما أعلنوا انّه أحدث حاسب كمومي في وقته في شهر آب، حاسوب كمومي بـ5 بتات كمومية. صُمم هذا الحاسب ليسمح لنوى خمس ئرات فلور بأن تتفاعل مع بعضها كبتات كمومية تُبرمج باستخام نبضات أمواج الراديو وتوجه باستخدام أدوات الرنين النووي المغناطيسي المشابهة للمستخدمة في المشافي. بقيادة الدكتور اسحاق تشوانغ تمكّن فريق آي بي إم IBM من إحراز تقدّم في مشكلة رياضية من شأنها أن تأخذ دورات الكمبيوتر التقليدية المتكررة. عُرفت هذه المشكلة باسم إيجاد التنظيم، تضمّنت إيجاد المدّة الزمنية لعملية معيّنة وجانبا نموذجيّا من العديد من المشاكل الرياضية بما فيها التشفير. - عام 2001:
طبّق علماء من شركة آي بي إم IBM وجامعة ستانفورد خوارزمية شور على الحواسيب الكمومية بنجاح. خوارزمية شور هي طريقة لإيجاد الأعداد الأولية والتي تلعب دورا هاما في التشفير. استخدموا حاسب كمومي بـ7 بت كمومي لإيجاد عوامل العد 15 وتمكّن الحاسب الكمومي أن يعطي أنّ العوامل الأوّلية هي 3 و 5. - عام 2005:
أعلنت منشأة البصريّات الكمومية والالمعلومات الكمومية في جامعة ” Innsbruck” أنّ العلماء تمكّنوا من صنع أول بايت كمومي (qubyte) مستخدمين لواقط الأيونات. - عام 2006:
العلماء في ” Waterloo and Massachusetts” أوجدوا طريقة للمتحكّمات الكمومية بـ12 بت كمومي، وهكذا أصبحت المتحكّمات الكمومية أشد تعقيدا لأنّ النظام يستخدم بتات كمومية أكثر. - عام 2007:
الشركة الناشئة دي ويف D-Wave أعلنت عن حاسب كمومي بـ16 بت كمومي. تمكّن الحاسوب الكمومي من حل لغز سودوكو ومشاكل أنماط أخرى. الشركة أعلنت أنها ستنتج حاسوب كمومي عملي في 2008. يعتقد المشككون أن الحواسيب الكمومية ما تزال بعيدة. - عام 2013:
دراسات مختلفة حول أداء حاسوب دي ويف D-Wave تبين أنه لا يقوم بتطبيق قواعد الميكانيك الكمومي في الحوسبة، وأنه لا يختلف كثيراً عن الحواسيب التقليدية. - عام 2014:
في سبقٍ جديد، شركة جوجل تعلن عن إطلاق مشروعها لبناء حاسوبها الكمومي الخاص، اعتماداً على حاسوب شركة دي ويف D-Wave.
المصدر: howstuffworks
6 تعليقات