إجراء أكثر القياسات حساسيةً لناقلية (موصلية) السليكون
كشف مجموعةٌ من العلماء عن إجرائهم لأكثر القياسات حساسيةً للناقلية الكهربائية ضمن السليكون، ما قد يُساهم في تحسيناتٍ كبيرة على تطبيقاتٍ عديدة مثل كفاءة ألواح الطاقة الشمسية وأنظمة الاتصالات.
حول البحث الجديد وأهميته
يعتبر السليكون أشهر أنواع المواد نصف الناقلة (شبه الموصلة) بسبب استخدامه الواسع كمادةٍ خام لصناعة الرقاقات الإلكترونية المستخدمة في كافة الأجهزة من حولنا: المعالجات والذواكر في الهواتف الذكية، الحواسيب الشخصية والمحمولة وحتى أنظمة التحكم في الأدوات الكهربائية المختلفة. الآن وفي عملٍ تجريبيّ جديد وفريد، قام مجموعة من الباحثين في المعهد الوطنيّ الأميركي للمعايير والتقنية NIST بإجراء أكثر الاختبارات حساسيةً لناقلية السليكون، وهي الخاصية التي تستخدم كوسيلةٍ لتحديد ومعرفة أدائه كمادةٍ نصف ناقلة.
قام العلماء باستخدام طريقةٍ مُبتكرة والتي أتاحت لهم اكتشاف معرفة سلوك السليكون وفهم ناقليته ضمن ظروف لم يتم اختبارها علمياً أو تجريبياً من قبل، وبالتحديد، كيف ستكون ناقلية السليكون عند مستوياتٍ منخفضة جداً للشحنات الإلكترونية. تقترح النتائج الجديدة لهذا البحث طرقاً مستقبلية لتحسين المواد نصف الناقلة والتطبيقات التابعة لها، خصوصاً ألواح الطاقة الشمسية والجيل المقبل من شبكات الاتصال الخلوي. تم نشر نتائج البحث الجديد في مجلة Optic Express.
لم يعتمد الباحثون في تجربتهم الجديدة على تواجد اتصالٍ فيزيائيّ مباشر مع العينة السليكونية قيد التجريب، وذلك بخلاف التجارب السابقة التي تم إجراؤها بهذا المجال، وهذا ما سمح لهم باختبار عيناتٍ ذات سماكة عالية نسبياً بشكلٍ أسهل من ذي قبل وهو الأمر الذي حدا بدوره للتوصل لأكثر الاختبارات دقةً لاكتشاف خواص المواد نصف الناقلة.
قبل إجراء التجربة الجديدة، قام الباحثون سابقاً بإجراء اختبارٍ لإثبات صحة المبدأ الذي يريدون اتباعه ولكن على موادٍ نصف ناقلة أخرى، وبالتالي فإن بحثهم الجديد يمثل المرة الأولى التي يتم فيها استخدام هذه الطريقة المبتكرة المعتمدة على الضوء لاختبار ناقلية السليكون بخلاف المرّات السابقة التي تم فيها استخدام الطرق المعتمدة على التماس المباشر مع العينة قيد التجريب.
قد يكون من المبكر حالياً الحديث عن كيفية استثمار العمل الجديد يوماً ما في المجال الصناعيّ والتجاريّ، إلا أنه قد يُشكل حجر الأساس لأعمالٍ مستقبلية مرتبطة بتطوير مواد نصف ناقلة للعديد من التطبيقات والتي تتضمن تحسين كفاءة وأداء ألواح الطاقة الشمسية أو الكواشف الضوئية ذات الفوتون الواحد Signle-Photon Light Detector والثنائيات الضوئية الباعثة للضوء LEDs وغيرها. على سبيل المثال، يمكن استخدام التقنية الجديدة لاختبار الإلكترونيات عالية السرعة ضمن الأبعاد النانوية والتي تجد تطبيقاتٍ في مجال معيار اتصالات الجيل الخامس 5G، التقنية الأحدث في مجال الاتصالات الخلوية. بالإضافة إلى ذلك، فإن النبضات الضوئية منخفضة الطاقة التي تم استخدامها في هذه التجربة قادرة على محاكاة الضوء منخفض الشدة الذي يصل لألواح الطاقة الشمسية من الشمس. علاوةً على ذلك، قد توّفر التقنيات المستخدمة في التجربة الجديدة أفضل طريقة للحصول على معرفةٍ جوهرية حول كيفية تأثر حركة الشحنات ضمن السليكون بعملية الإشابة Doping، وهي العملية المعروفة في خلايا الحساسات الضوئية والتي تتضمن تعديلاً في بنية المادة عبر إدخال مادةٍ أخرى تدعى عامل الإشابة Dopant والتي تُساهم بتحسين وزيادة ناقلية المادة الأصلية.
الغوص في العمق
عندما يريد العلماء معرفة أداء مادةٍ نصف ناقلة فإنهم يقومون بقياس ناقليتها، وإحدى الوسائل المتبعة لتحديد الناقلية هي عبر قياس حركة حوامل الشحنات Charge Carrier Mobility ضمن المادة، وهو المصطلح الذي يُشير لمدى سرعة الشحنات الكهربائية في العبور والحركة ضمن المادة. يتم التمييز دوماً بين نوعين من الشحنات: الأولى هي الشحنات الكهربائية السالبة، أي الإلكترونات، والثانية هي الشحنات الكهربائية الموجبة، أي الثقوب، وهي عبارة عن الأماكن الفارغة التي خلفتها الإلكترونات نتيجة حركتها.
تُدعى الطريقة التقليدية المستخدمة في قياس حركة حوامل الشحنات بطريقة هال Hall Method، وهي تضمين لحم نقاط وصل بالعينة المراد اختبارها ومن ثم تمرير تيارٍ كهربائيّ ضمن هذه النقاط عبر حقلٍ مغناطيسي. تمتلك هذه الطريقة سلبياتٍ أهمها تأثر النتائج بشكلٍ كبير عبر أي شوائب Impurities على سطح المادة أو حتى بسبب وجود مشاكل بنقاط الوصل نفسها. من أجل التغلب على هذه السلبيات والتوّصل لمبدأ قياس أفضل، عمل باحثو المعهد الوطني للمعايير على إجراء اختبارتٍ باستخدام طريقةٍ معتمدةٍ على إشعاعاتٍ بتردداتٍ من رتبة التيراهرتز THz.
تمثل القياسات المعتمدة على إشعاعات التيراهرتز آليةً سريعة غير تلامسية لقياس ناقلية المادة، وتعتمد هذه القياسات على نوعين من الإشعاعات: الأولى هي عبارة عن نبضات قصيرة جداً من الضوء المرئيّ التي تحث على تشكيل إلكتروناتٍ وثقوبٍ ضمن العينة، وهي العملية المعروفة باسم الإشابة الضوئية Photodoping. النوع الثاني من الإشعاعات هو أشعة في طيف الأمواج القريبة من تحت الحمراء ذات ترددٍ من مرتبة التيراهرتز والتي يتم توجيهها على العينة، وبخلاف الضوء المرئيّ، تستطيع الإشعاعات من مرتبة التيراهرتز النفاذ ضمن المواد المعتمة مثل عينات المواد السليكونية نصف الناقلة. مقدار نفاذية الإشعاعات ضمن العينة يعتمد على عدد حوامل الشحنات التي تتحرك بحرية ضمن المادة، وكلما ازداد عدد حوامل الشحنات المتحركة، كلما ازدادت درجة ناقلية المادة.
البحث عن البقعة الأفضل
كانت عملية الإشابة الضوئية سابقاً تتم عبر استخدام فوتوناتٍ منفردة من أطيافٍ تعود للضوء المرئيّ أو الطيف فوق البنفسجي، والمشكلة باستخدام فوتونٍ منفرد من أجل تنفيذ عملية الإشابة تتمثل بقدرته المحدودة على الاختراق والنفاذ ضمن العينة الهدف. من ناحيةٍ أخرى، وبما أن أمواج التيراهرتز تمتلك القدرة على النفاذ واختراق العينة بشكلٍ كامل، يستطيع الباحثون استخدامها من أجل دراسة عيناتٍ سليكونية ذات سماكاتٍ فائقة الانخفاض حيث تتراوح أبعادها ما بين 10 إلى 100 نانومتر، أي أقل سماكة من شعرة الإنسان بحوالي 10000 مرة.
على صعيدٍ آخر، وفي حال كانت العينة ذات سماكةٍ أعلى، سيواجه العلماء نفس المشاكل المرتبطة بإجراء اختبارت الناقلية المعتمدة على الطرق التقليدية، أي طريقة هال، حيث ستؤثر تشوهات سطح المادة على النتائج، وكلما ازدادت ثخانة العينة قيد الاختبار، كلما كان أثر تشوهات السطح أعلى على النتائج. بهذه الصورة أصبح العلماء مضطرين للاختيار بين هدفين: إما التركيز على زيادة سماكة المادة أو العمل على تحسين الحساسية الممكن الحصول عليها من تجارب الفوتونات المنفردة.
بدلاً من ذلك، توصل الباحثون لحلٍ يستطيعون عبره إجراء الاختبار على عيناتٍ عالية السماكة وبحساسية مرتفعة، وذلك عبر توجيه فوتونين للعينة بنفس الوقت بدلاً من فوتونٍ واحد، بما يُساهم بالحصول على قدرة نفاذ جيدة ضمن المادة وتشكيل أقل عددٍ ممكن من الإلكترونات والثقوب ضمن السنتي متر المكعب الواحد، وهو ما يتناسب مع الهدف المنشود، أي قياس الناقلية في ظروف الحركة المنخفضة لحوامل الشحنات الكهربائية.
هكذا إذاً وعبر استخدام فوتونين من طيف الأشعة القريبة من تحت الحمراء Near-Infrared أصبح بمقدور الباحثين المحافظة على مستويات الطاقة عند أدنى درجاتها الممكنة مع بقاء قدرة اختراق ونفاذٍ كاملة للعينة. عند إجراء تجارب قياس الناقلية التقليدية، لا تقل مستويات الناقلية السليكونية عن 100 ترليون حامل شحنة ضمن السنتي متر المكعب الواحد، بينما في التجربة الجديدة تمكن الباحثون من قياس الناقلية عند عتبة 10 ترليون حامل شحنة ضمن السنتي متر المكعب الواحد، وهو ما يعني حساسيةً أفضل بعشر مرات، كما أن العينات المستخدمة في التجربة الجديدة أعلى سماكة من العينات المستخدمة سابقاً، حيث تبلغ درجة سماكتها حوالي نصف ميللي متر، وهو الحد الكافي لتجنب النتائج السلبية لتشوهات السطح.
لم تقتصر النتائج الإيجابية للتجربة الجديدة عند هذا الحد، فمع تخفيض عتبة الناقلية التي يمكن عندها قياس حركة الإلكترونات والثقوب الحرة، وجد الباحثون أموراً مفاجئة: أظهرت النتائج السابقة أنه عند توليد أعدادٍ أقل من الإلكترونات والثقوب ستقوم أدوات القياس بتسجيل تزايد في حركة حوامل الشحنات الكهربائية ضمن العينة، وذلك حتى الوصول إلى قيمةٍ معينة ستصبح عندها كثافة حوامل الشحنة منخفضة جداً وتستقر حركتها. ما وجده الباحثون في تجربتهم الجديدة المعتمدة على مبدأ ضوئيّ غير تلامسي مع العينة هو أن حالة الاستقرار تحصل عند قيمةٍ أدنى لكثافة حوامل الشحنات مما اعتقد سابقاً، كما أن حركة حوامل الشحنات أكبر بمقدار 50% مما تم رصده سابقاً.
يقول أحد القائمين على التجربة الجديدة أن هذه النتائج تظهر معلوماتٍ ومعطياتٍ جديدة حول السليكون لم يكن العلماء يعرفونها من قبل، وعلى الرّغم من كونها معارف علمية أساسية، إلا أن التعلم أكثر حول السليكون سيُساعد المصنعين على ابتكار أجهزةٍ بكفاءةٍ أعلى.
قام الباحثون بتطبيق تقنيتهم على أرسنيد الجاليوم GaAs، إحدى الأمثلة الشهيرة أيضاً على المواد نصف الناقلة الحساسة للضوء، وقد أظهرت اختباراتهم على هذه المادة أن النتائج السابقة ليست حصرية بالسليكون.
من المحتمل أن تركز الأعمال المستقبلية للفريق البحثيّ ضمن المعهد الوطنيّ للمعايير والتقنية على تطبيق تقنيات إشابةٍ مختلفة على العينات مع تغييرٍ في درجة حرارة العينات نفسها. إجراء التجارب على عيناتٍ ذات سماكاتٍ مرتفعة قد ينتج عنه مفاجئات إضافية في علوم المواد نصف الناقلة.
للاطلاع على الورقة البحثية المنشورة في مجلة Optic Express: اضغط هنا.
المصدر: [Phys.org]
مرحبا! لديك بلوق لطيفة. يرجى مواصلة!