علوم الالكترونيات

مدخل إلى الإلكترونيات الرقمية Digital Electronics

تُعتبر الإلكترونيات الرقمية حجر الأساس في بناء الأنظمة الحاسوبية، من أصغرها إلى أكثرها تعقيداً، من الساعات الذكية وحتى مخدمات البيانات الضخمة

1. أنواع الدارات الإلكترونية

يُمكن تقسيم الدارات الإلكترونية إلى قسمين رئيسيين: قسم تماثلي (تناظري) Analog وقسم رقمي Digital. يكمن الفرق الأساسي بينهما في حالة الإشارات التي تتعامل معها هذه الدارات، وعندما نقول إشارة Signal، فإننا نعني هنا بشكلِ أساسي الجهد الكهربائيّ Electrical Voltage، وهذا يعني أن الجهد الكهربائيّ هو الكمية التي نستخدمها في الدارات الكهربائية من أجل تمثيل ظواهر فيزيائية متنوعة، مثل شدة الصوت أو درجة الحرارة أو درجة الرطوبة أو الضغط.

بالعودة للدارات الإلكترونية، فإنها وكما قلنا إما أن تكون تماثلية أو رقمية:

  • تتعامل الدارات التماثلية على جهودِ ذات قيمة متغيرة بشكلٍ مستمر مع الزمن ضمن مجال لانهائيّ من القيم، والتي عادةَ ما يمكن تمثيلها على شكل منحني بياني مستمر وأملس. (مثلاً بين القيمتين 0 و 5 فولط يمكن للدارة التماثلية أن تتعامل مع كل القيم العشرية الممكنة : 0 فولط، 1.536 فولط، 2.2 فولط، 4.981 فولط…الخ ).
  • تتعامل الدارات الرقمية مع جهود (إشارات) تنتمي إلى مستويين (قيمتين) فقط، سواء كان في دخلها وخرجها، ويمكن التعبير عن هذين المستويين بأكثر من طريقة: مستوى عالي High ومستوى منخفض Low، الصفر المنطقي والواحد المنطقي، فتح أو إغلاق، حقيقة أو صواب، أبيض أو أسود، كبير أو صغير .. ومهما كان التعبير، فنحن نعبر عن حالتين متناقضتين دوماً في الدارة الرقمية.

يوضح الشكل التالي الفرق بين إشارة رقمية وإشارة تماثلية:

وكتمثيل كهربائي، يمكننا التعبير عن الدارة الرقمية بحالة الفتح والإغلاق في دارة بسيطة مؤلفة من مفتاح ومنبع تغذية ومقاومة. عندما يكون المفتاح بوضع “إغلاق”، فإن هذا يعني أن قيمة الجهد الكهربائيّ الذي يمكن قياسه بين المقاومة ونقطة التأريض سيكون مساوياً للصفر، وهي ما يمكن استخدامها عن المستوى المنطقي المنخفض Low للجهد الكهربائيّ. عندما يكون المفتاح بوضع “فتح”، فإن هذا يعني أن قيمة الجهد الكهربائيّ الذي يمكن قياسه بين طرف المقاومة ونقطة التأريض سيكون مساوياً لجهد المنبع، أي 5 فولط، وهو ما يمكن استخدامه لتمثيل المستوى المنطقي المرتفع High.

2

2. ما الذي نحتاجه لفهم الإلكترونيات الرقمية ؟

تتعامل الدارات الرقمية في أساسها الرياضي على علم الجبر البولياني أو الجبر المنطقي، وهو مجموع العلاقات الرياضية التي نستطيع عبرها توصيف آلية عمل التوابع المنطقية ( أو الرقمية إن أمكننا القول ) والعبارات المنطقية، وهذه التوابع المنطقية تستخدم من أجل توصيف آلية عمل النواة الأساسية لعمل الدارات الرقمية المختلفة، أي البوابات المنطقية. بينما في الدارات التماثلية فإننا نعتمد على التوابع الرياضية في تمثيل الإشارات وحالات عمل العناصر الإلكترونية التي تتشكل منها الدارة التماثلية ( توابع أسية، توابع لوغاريتمية، كثيرات حدود، .. وغيرها).

في سياق التعامل مع الدارات الإلكترونية الرقمية وفهمها، يجب علينا فهم نظم العد التي تقابل النظام العشري الذي نستخدمه في الدارات التماثلية. كما ذكرنا في الفقرة السابقة، تمثل الإشارة التماثلية جهداً كهربائياً ذو قيمِ متغيرة مع الزمن بشكلٍ مستمر، وهذا يعني مجال ضخم جداً من القيمة المحتملة للجهد، في حين أن الدارات الرقمية تتعامل مع الجهد الكهربائيّ على اعتبار أن له قيمتين (مستويين) فقط: الصفر المنطقي (المستوي المنخفض) والواحد المنطقي (المستوي المرتفع). ماذا نفعل إن أردنا التعبير عن عملية حسابية أو عدد مثل 9.5 بشكل رقمي وإظهارها على شاشة آلة حاسبة؟ علينا أن نعود إلى نظام العد الثنائي الذي يربطنا بفضائي الأعداد : العشري والثنائي، بمعنى أنه يجب أن يتم تحويل القيمة العددية من تمثيلها العشريّ إلى تمثيلِ ثنائيّ تستطيع الدارات الرقمية أن تتعامل معه.

أحد الأمور الهامة التي من المهم أيضاً فهم دورها في الإلكترونيات الرقمية هي العنصر الإلكترونيّ الشهير الذي يُعتبر اختراعه نقطة تحوّل في التاريخ التقني والحدث الذي مهد للثورة الرقمية الحديثة: الترانزيستور. يستخدم الترانزيستور على نطاقِ واسع في الدارات الإلكترونية التماثلية كعنصر تضخيم للإشارات، أي ضمن منطقة العمل الفعالة الخاصة بمخطط عمله الكهربائيّ. في حالة الدارات الرقمية، يتم استخدام الترانزيستور بشكلٍ أساسيّ كمفتاح Switch يمكن عبره التعبير عن قيمتي الصفر والواحد المنطقيين (بشكلٍ مشابه للمخطط السابق في مقالنا الذي تم عبره توليد مستويات الجهود المنطقية باستخدام مفتاح ومقاومة ومنبع تغذية). بمعنى آخر، وبحالة الدارات الرقمية، يعمل الترانزيستور بشكلٍ أساسي في منطقتي الإشباع والقطع من مخطط عمله. يُظهر الشكل التالي مخطط عمل الترانزيستور ومناطق عمله المختلفة: منحني خواص الترانزيستور

3. لماذا نستخدم الدارات والإلكترونيات الرقمية؟

سواء كنتم تطالعون هذه المقالة من الهاتف الذكي، الحاسب اللوحي أو الحاسوب الشخصي، فإن هذا يعني أنكم تعتمدون على نظامِ حاسوبيّ رقمي يتألف بداخله من عددِ هائلِ جداً من الدارات الإلكترونية المختلفة التي تقوم بوظائف متنوعة: بعضها مسؤول عن معالجة البيانات (وحدة المعالجة المركزية)، بعضها الآخر مسؤول عن حفظ وتخزين البيانات، إما بشكلٍ مؤقت أو دائم (الذواكر الحاسوبية)، بعضها الآخر مسؤول عن التواصل مع وحدات الدخل والخرج (مثل الشاشة ولوحة المفاتيح والفأرة والقلم الرقمي).

وهنا السؤال: لماذا لم يتم إنجاز كل ذلك باستخدام الدارات الإلكترونية التماثلية؟ لأن الإلكترونيات الرقمية أقل تعقيداً، أكثر كفاءة من ناحية استهلاكها للطاقة وتمتلك قدرة معالجة سريعة. هذا يعني أنه يمكن – من حيث المبدأ – إنجاز نظام حاسوبي تماثلي، إلا أنه ومن أجل إنجاز نفس المهمة التي يقوم بها الحاسوب الرقمي، سيكون الحاسوب التماثلي أكثر تعقيداً وأعلى كلفةَ، خصوصاً فيما يتعلق بالذواكر والقدرة على تخزين المعلومات. 

بنظرةِ سريعة على تاريخ التطور التقني للإلكترونيات الرقمية منذ ظهور أول دارة متكاملة لمعالج مركزي (دارة 4004 من شركة إنتل عام 1971)، سنجد أن تطور شرائح المعالجة الرقمية قد تم بما ينسجم مع مبدأ (أو قانون) مور؛ أي أن عدد الترانزيستورات على شريحة المعالجة سيتضاعف مرةَ كل سنتين تقريباً، وهو ما حصل تقريباً منذ ظهور معالج 4004 من إنتل الذي احتوى بذلك الوقت على 2300 ترانزيستور تم تصنيعها بتقنية 10 مايكرومتر، وصولاً إلى شرائح المعالجة الحديثة التي وصل عدد الترانزيستورات فيها على الشريحة 2.6 ترليون ترانزيستور (التريليون هو ألف مليار، والمليار هو ألف مليون)، كما هو الحال مع شريحة Wafer Scale Enginer 2 من شركة سيربراس Cerebras المخصصة لتطبيقات الذكاء الاصطناعي والتعلم العميق Deep Learning والتي تم تصنيعها باستخدام تقنية 7 نانومتر من شركة TSMC. 

4. الخلاصة

  • تعتبر الإلكترونيات الرقمية حجر الأساس في الثورة التقنية الحديثة التي بدأت منتصف القرن الماضي وفتحت الباب لتطوير الحواسيب الرقمية وما رافق ذلك من تطبيقاتِ ذات انعكاسِ مباشرِ على حياتنا، من اختراع الحاسوب الشخصيّ وصولاً لعصر الذكاء الاصطناعي الذي نعيشه اليوم
  • تختلف الإلكترونيات الرقمية عن الإلكترونيات التماثلية بمبدأ عملها، إذ تعتمد على الجبر البولياني والتوابع المنطقية ونظام العد الثنائيّ في توصيف الظواهر والإشارات ومعالجتها
  • تمثل الإشارة الرقمية جهداً كهربائياً متقطع ذو مجالِ منتهِ من القيم، عادةً ما يكون قيمتين (مستويين): صفر أو واحد، بخلاف الإشارة التماثلية التي تمثل جهداً كهربائياً تتغير قيمته بشكلٍ مستمر مع الزمن ضمن مجالِ لانهائيّ من القيم
  • بفضل قدرته على العمل كمفتاح ضمن منطقتي القطع والإشباع، يشكل الترانزيستور نواة بناء البوابات المنطقية المستخدمة في تشكيل الدارات الرقمية، من أبسطها إلى أكثرها تعقيداً

5. مقالات أخرى قد تهمكم

مقالات ذات صلة

‫5 تعليقات

  1. شكرا جزيلا.. علي ما الميت به في الداارة الرقميةوعظمتها حتي العنصر البشري او بدونه سلسلة تتابع للقيم الحفوظة وتعاملها مع بعضها البعض.. وفقك الله

زر الذهاب إلى الأعلى