ما هو الفرق بين الإشارات التماثلية والإشارات الرقمية Analog vs Digital

1. مقدمة
نحن نعيش في عالمِ تماثلي (تشابهي Analog): هنالك عددٌ غير منته من الألوان التي يمكن استخدامها من أجل رسم لوحة ما، وهنالك عددٌ لانهائيّ من الأصوات التي يمكن سماعها وهنالك عددٌ لانهائيّ من الروائح التي يمكن شمها. القاسم المشترك بين كل هذه الإشارات التماثلية هو إمكانية تمثيلها عبر عددِ كبيرِ جداً من الاحتمالات يصل حتى اللانهاية.
على صعيدِ آخر، وضمن الواقع التماثليّ نفسه الذي نعيش به، تمكنا من اصطناع واقعِ رقميّ Digital آخر، يُمكن اختصاره على أنه واقع منتهي (مُحدد) Finite ومتقطع Discrete، أي أنه يوجد عدد محدود من القيم التي نستطيع عبرها وصف العمليات والإشارات التي تنتقل ضمن العالم الرقمي.
عند الحديث عن الأنظمة الإلكترونية، يتعين علينا التعامل مع نوعين من الإشارات: تماثلية ورقمية. تستطيع الدارات الإلكترونية والكهربائية التعامل مع الإشارات التماثلية كدخلِ لها وتوليد خرجِ تماثليّ معين، إلا أن معظم أنظمة معالجة الإشارة واستحصال البيانات تعتمد في نواتها على الإلكترونيات الرقمية التي تقوم بمعالجة الإشارات على اعتبار أن قيمتها تنتمي لمجموعةِ محددة من القيم، وليس إلى مجموعة لامتناهية من القيم (كما هو الحال مع الإشارات التماثلية).
عبر هذا المقال سنستعرض مفهوم الإشارات التماثلية والرقمية والفروقات بينها، وقبل الشروع بالحديث عن الفوارق بين العالم التماثلي والرقمي، يتوجب علينا الخوض قليلاً في مفهوم “الإشارة”.
تنويه: هنالك العديد من المرادفات لكلمة Analog باللغة العربية، مثل “تشابهي” أو “تناظري” أو “تماثلي”. في هذا المقال وعبر موقع عالم الإلكترون بشكلِ عام سيتم استخدام مصطلح “تماثلي” للدلالة على كلمة Analog الإنجليزية.
2. ما هي الإشارة؟
لو أردنا تعريف “الإشارة Signal”، يمكن القول أن الإشارة (مهما كانت) هي عبارة عن كمية (مقدار) quantity متغيرة مع الزمن والتي تحتوي (أو لنقل تقوم بتمثيل) شكلاً من أشكال المعلومات. في مجال الهندسة الكهربائية، فإن هذه الكمية المتغير مع الزمن عادةً ما تكون الجهد الكهربائي Voltage (إن لم تكن الجهد، فهي غالباً التيار Current). بهذه الصورة، وعندما نقول “إشارات” كل ما علينا التفكير به هو جهد كهربائي تتغير شدته مع مرور الزمن.
- اقرأوا أيضاً: أساسيات الكهرباء والإلكترونيات: الجهد الكهربائي
تنتقل الإشارات عبر الأجهزة المختلفة من أجل تأمين نقل وتبادل المعلومات. ما هي هذه المعلومات؟ ببساطة فيديو أو ملف صوتي أو حتى أي شكل آخر من أشكال البيانات المرمزة encoded data. عادةً ما تنتقل الإشارات عبر وسائط سلكية، ولكنها تستطيع أيضاً أن تنتقل عبر وسائط لاسلكية، أي عبر ترددات الأمواج الراديوية RF Waves. على سبيل المثال، يمكن للإشارات الصوتية أن تنتقل من بطاقة الصوت في حاسوبك الشخصي إلى المكبرات الصوتية كي تستطيع سماعها، وهي عملية انتقال سلكيّ، في حين أن إشارات البيانات الخاصة بالاتصال بشبكة الإنترنت تنتقل بشكلٍ لاسلكيّ عبر الهواء بين بطاقة المودم في حاسوبك الشخصيّ وجهاز راوتر الخاص بشبكة واي فاي في منزلك.
- اقرأوا أيضاً: مقدمة في أنظمة الاتصالات
3. الإشارات التماثلية Analog Signals
1.3 شكل الإشارات التماثلية
بما أن الإشارة عبارة كمية (أو مقدار فيزيائي) تتغير قيمتها مع مرور الزمن، فإنه ولفهم شكل الإشارات التماثلية على نحوِ جيد سيكون من المفيد استخدام مخططِ بيانيّ نقوم فيه بتمثيل الزمن على المحور الأفقي X-Axis وشدة الإشارة، ولتكن جهداً كهربائياً، على المحور الشاقوليّ Y-Axis.
عند النظر إلى المخطط البيانيّ الخاص بأي إشارة سيكون من السهل معرفة إن كانت إشارةَ تماثلية أو رقمية؛ بالنسبة للإشارات التماثلية، فإن مخطط تغير الجهد مع مرور الزمن سيأخذ شكلاً متواصل continious وأملس، أي غير متقطع smooth.

بالنظر إلى الشكل السابق، سنجد أن إشارة الجهد الكهربائيّ تتغير ضمن قيمتين حديتين؛ هذا يعني أن هنالك حد أعلى وحد أدنى لتغير شدة الجهد الكهربائيّ، فما الذي يجعل هذه الإشارة مختلفة في طبيعتها عن الإشارات الرقمية التي تمتلك قيماً محددة؟ الفرق هنا هو في العدد اللانهائيّ من القيم التي يمكن أن تأخذها شدة الجهد الكهربائيّ بين القيمتين الحديتين. على سبيل المثال، عند قراءة قيمة الجهد الكهربائيّ من منفذ الكهرباء المنزليّ في الحائط باستخدام المقياس متعدد الأغراض (آفو)، فإنه يمكن للجهد أن يأخذ أي قيمة بين 0 و 220 فولط، ولتكن مثلاً 110 فولط. باستخدام مقياس ذو دقةِ أعلى قد تكون القراءة 110.5 فولط، وبزيادة الدقة يمكن للقراءة أن تكون 110.56، 110.561، 110.5612، 110.56128 وهكذا يمكن أن تستمر هذه القيم إلا ما لانهاية.
2.3 مثال على الإشارات التماثلية
من الأمثلة الشهيرة على الإشارات التماثلية هي إشارات نقل الوسائط المتعددة مثل إشارات الصوت والفيديو، والتي عادةً ما يتم تسجيلها وتبادلها باستخدام الإشارات التماثلية، وعلى سبيل المثال، فإن إشارات الفيديو المركبة Composite Video التي تنتقل عبر منفذ RCA هي عبارة عن إشاراتِ تماثلية تتراوح قيمها ما بين 0 و 1.073 فولط، وهذا يعني أن أي تغير طفيف في قيمة جهد الإشارة سيكون له تأثيرٌ كبير على ألوان ومكان توضع الفيديو.

بنفس السياق، تعتبر الإشارات الصوتية أيضاً إشارات تماثلية، مثل الصوت الصادر عن المكبرات الصوتية الذي يحتوي بدوره على عددِ كبير من الترددات التماثلية.
4. الإشارات الرقمية
1.4 شكل وطبيعة الإشارات الرقمية
على خلاف الإشارات التماثلية، تتصف الإشارات الرقمية بأنها تمتلك مجموعة منتهية (محددة) Finite Set من القيم المحتملة التي يمكن أن تمتلكها مع مرور الزمن. عدد الاحتمالات الممكنة للإشارة الرقمية ضمن مجموعة قيمها يتراوح ما بين بين 2 وأي رقم كبير جداً، ولكنه ليس اللانهاية. يتم تمثيل غالبية الإشارات الرقمية باستخدام المنطق الثنائي Binary Logic، أي أن الإشارة يمكن أن تمتلك في أي لحظةِ زمنية قيمةَ من اثنتين: صفر منطقي أو واحد منطقي. بما أن الإشارة نفسها هي جهد كهربائيّ، فهذا يعني أن الصفر المنطقي يعادل صفر فولط، والواحد المنطقي عادةً ما يعادل 5 فولط. عندما نريد تمثيل مثل هكذا إشارة على مخططِ بيانيّ يُظهر كيفية تغير الجهد الكهربائيّ في نظامِ رقميّ مع مرور الزمن، فإن شكل الإشارة سيأخذ شكل موجاتِ مربعة Square Waves.

بهذه الطريقة يمكن فهم الفرق الأساسيّ بين الإشارات التماثلية والرقمية؛ الإشارات التماثلية تأخذ شكل منحني متواصل وأملس، بينما تأخذ الإشارات الرقمية شكل منحني متدرج، مربع ومتقطع.
- اقرأوا أيضاً: ما هي المجالات المنطقية الرقمية؟
2.4 مثال على الإشارات الرقمية
ليست كل إشارات الصوت والفيديو إشارات تماثلية، فهنالك العدد من الإشارات المعيارية مثل HDMI لنقل الفيديو والصوت أو معيار MIDI أو معيار I2S تنتقل بشكلٍ رقميّ بالكامل. أيضاً وفي عالم الدارات المتكاملة Integrated Circuits، فإن معظم قنوات الاتصال بين الرقائق هي قنوات اتصال رقمية، أي تقوم بتبادل المعلومات والبيانات عبر ترميز الجهد الكهربائيّ بشكلٍ رقميّ ذو قيمتين فقط، صفر منطقي أو واحد منطقي، وكأمثلةِ على ذلك يمكن ذكر معايير الاتصال التسلسليّ كـ UART، و I2C و SPI.
أبسط مثال على الإشارات الرقمية هي الجهاز الذي تقرأ من خلاله هذا المقال: هاتفك الذكي، أو الحاسب اللوحي أو حاسوبك الشخصي كلها أجهزة تعتمد في داخلها على داراتٍ إلكترونية رقمية تتضمن وحدات معالجة وذواكر ونواقل بيانات وطرفيات اتصال بشبكة الإنترنت وطرفيات إظهار (كالشاشة التي تظهر عليها هذه الكلمات). كل هذه الوحدات والطرفيات تتخاطب مع بعضها البعض عبر إشاراتٍ رقمية.
تُظهر الصورة التالية مخططاً لإشارات معيار التخاطب التسلسلي SPI والذي يقوم بنقل وتبادل البيانات عبر أربع نواقل (قنوات)، جميعها تقوم بنقل إشارات رقمية بين جهازين على الأقل، الأول يُعرف بالأساسي Main والآخر هو الثانوي Subnode (كانت تُعرف سابقاً باسم السيد Master والخادم Slave). بخلاف الإشارات التماثلية ذات المجال اللانهائي من القيم والمنحني الأملس، سنجد هنا أن إشارة الجهد الكهربائيّ ضمن معيار SPI تأخذ قيمتين فقط.

- اقرأوا أيضاً: ما هو المرسل-المستقبل غير المتزامن UART
5. الدارات التماثلية والدارات الرقمية Analog and Digital Circuits
1.5 الدارات التماثلية Analog Circuits
معظم العناصر الإلكترونية الأساسية، مثل المقاومات والمكثفات والملفات التحريضية والديودات والترانزيستورات والمضخمات العملياتية هي بطبيعتها عناصر تماثلية، وعند بناء دارات إلكترونية بالاعتماد على هذه العناصر فقط بدون أن تشكل بواباتٍ منطقية فإن هذه الدارات ستمتلك طبيعةً تماثلية.

أحد أبسط الأمثلة على الدرات التماثلية هو استخدام مقاومتين أوميتين من أجل بناء دارة مجزئ جهد Voltage Divider، وبشكلٍ عام، يمكن القول أن تصميم الدرات التماثلية أصعب من تصميم نظيراتها الرقمية التي تقوم بتنفيذ نفس الوظيفة وذلك يعود لطبيعة الإشارات التماثلية نفسها التي تمتلك مجالاً لانهائياً من القيم التي يمكن أن تمتلكها، فضلاً عن حساسيتها العالية للضجيج (يمكن فهم الضجيج على أنه تغيرٌ غير مرغوب به بقيمة جهد الإشارة التماثلية)، وهو ما يضيف تعقيداً إضافياً على عملية تصميم الدارات التماثلية.
2.5 الدارات الرقمية Digital Circuits
تعتمد الدارات الإلكترونية الرقمية على إشاراتِ رقمية متقطعة، وبشكلها البسيط فهي تتكون من عددِ من البوابات المنطقية والترانزيستورات، وبشكلها عالي التعقيد، فإن الدارات الرقمية هي أساس بناء المتحكمات الصغرية والرقائق والمعالجات الحاسوبية التي نستخدمها في كل شيء حولنا اليوم، من الحواسيب الشخصية إلى الهواتف الذكية والأجهزة الذكية القابلة للارتداء.
تعتمد الدارات الرقمية على المنطق الثنائيّ في التعامل مع الإشارات المُراد معالجتها، وهذا يعني تخصيص قيمتين مختلفين للجهد الكهربائي للتعبير عن مجالين منطقيين مختلفين؛ جهد عالي لتمثيل مجال الواحد المنطقي (عادةَ ما يكون 5 فولط أو 3.3 فولط أو 1.8 فولط) وجهد منخفض لتمثيل مجال الصفر المنطقي (عادةَ ما يكون 0 فولط).
يُظهر المخطط التالي دارةً رقمية للتحكم بوحدة إظهار عددية Seven-Segment تمتلك بداخلها – أي الدارة – عدداتِ ثنائية وبوابة منطقية ومولد نبضات رقمية مربعة. من الملاحظ أن العناصر الإلكترونية الرقمية غالباً ما تأخذ شكل مستطيل أو مربع مع خطوط دخل وخرج تمثل الإشارات الداخلة والخارجة من العنصر الإلكتروني الرقمي. بخلاف العناصر الإلكترونية الأساسية التي يمتلك كل منها رمزه الخاص (كالمقاومة والمكثف والملف التحريضي والترانزيستور ومضخم العمليات) والتي تظهر بكثرة في مخططات الدارات التماثلية. بمعنى آخر، هذه طريقة بسيطة للاستدلال على طبيعة الدارة التي يتم قراءة مخططها.

بالرّغم من أن تصميم الدارات الرقمية أسهل من نظيراتها التماثلية (بشكلٍ عام)، إلا أنها غالباً ما تكون ذات كلفةِ أعلى.
3.5 الجمع ما بين الدرات التماثلية والرقمية Analog and Digital Combined
على الرّغم من إمكانية وجود دارات إلكترونية رقمية أو تماثلية بالكامل، فإنه أيضاً من الشائع عمل هذه الشرائح مع بعضها البعض ضمن نفس النظام الإلكتروني، وتعتبر المتحكمات الصغرية مثالاً ممتازاً على ذلك، ففي حين أنها في جوهرها شرائح معالجة رقمية، فإنها تتضمن أيضاً طرفياتِ (دارات) تتيح لها إدخال وإخراج إشاراتِ تماثلية ومعالجتها، مثل طرفية المبدل التماثلي الرقمي Analog-to-Digital Converter أو طرفية المبدل الرقمي-التماثلي Digital-to-Analog Converter.
لو أخذنا طرفية المبدل التماثلي-الرقمي على سبيل المثال، فهي تمثل واجهة تخاطب تتيح للمتحكم الصغري قراءة إشاراتِ تماثلية من الحساسات المختلفة، مثل إمكانية استشعار درجة الحرارة وإظهارها عبر ربط حساس حرارة بأحد مغارز المتحكم الصغري الخاصة بالمبدل التماثلي-الرقمي. يقوم المبدل بقراءة الجهد التماثليّ وتقطيعه ليتم تحويله إلى قيمِ رقمية يمكن معالجتها داخل وحدة المعالجة المركزية الخاصة بالمتحكم الصغري من أجل إرسالها لاحقاً إلى وحدة إظهار مثل شاشات الكريستال السائل LCD.
6. الخلاصة: جدول مقارنة بين التماثلي والرقمي
وجه المقارنة | إشارة تماثلية | إشارة رقمية |
---|---|---|
التعريف | تمثل الإشارات التماثلية تغيراً مستمر في قيمة شدة الجهد الكهربائي مع مرور الزمن ضمن مجالِ لا نهائي من القيم | تمثل الإشارات الرقمية تغيراتِ متقطعة في قيمة شدة الجهد الكهربائي مع مرور الزمن ضمن مجال محدد من القيم |
نوع الإشارة | موجة مستمرة | إشارة متقطعة |
مجال قيم الإشارة | لا نهائي | محدد |
متطلبات المعالجة | تتطلب دارات ذات بنية معقدة | تتطلب دارات ذات بنية بسيطة بالمقارنة مع نظيراتها التماثلية |
قدرة تخزين المعلومات | أقل كفاءة في قدرتها على تخزين المعلومات نظراً لطبيعتها المستمرة ومجالها اللانهائي من القيم | أكثر كفاءة في قدرتها على تخزين المعلومات نظراً لطبيعتها المتقطعة ومجالها المحدود من القيم الممكنة |
الحساسية للأخطاء والضجيج | حساسية عالية للضجيج والتشوّه ما يرفع من احتمالية الخطأ | كفاءة أعلى في مقاومة الضجيج والتشوه |
المكونات التقليدية | مضخمات عملياتية، مرشحات، المهتزات | بوابات منطقية، عدادات ثنائية، معالجات صغرية |
أمثلة | الإشارات الصوتية التماثلية، موجات الإشارات الراديوية، الصوت البشري | الإشارات الصوتية الرقمية، دفق البيانات الرقمية |
7. مصادر المقال
- مقال من موقع SparkFun حول الفرق بين الإشارات التماثلية والرقمية
- مقال موسوعة ويكيبديا الإنجليزية حول الإشارات التماثلية
- مقال موسوعة ويكيبديا الإنجليزية حول الإشارات الرقمية