علوم الحاسبمساحة المقالات

مقدمة في الذكاء الاصطناعي، تعلم الآلة والشبكات العصبونية

أصبحت التطبيقات والخدمات المعتمدة على خوارزميات الذكاء الاصطناعي في كل مكانٍ من حولنا، وهنا نلقي نظرة عامة وسريعة على الذكاء الاصطناعي وأبرز المفاهيم المرتبطة به

مقدمة: الذكاء الاصطناعي لم يعد فكرة من قصص الخيال العلمي

من منا لم يسمع حتى الآن بالذكاء الاصطناعي، تعلم الآلة أو التعلم العميق؟
حتى وإن كنت على احتكاكٍ قليل بالوسط التقني، فلابد وأن ترامى إلى مسمعك أحد تلك الكلمات في حديث حول برنامج تيك توك Tik Tok أو السيارات ذاتية القيادة أو ربما المساعدات الشخصية مثل جوجل هوم، أليكسا وسيري.

أصبح الذكاء الاصناعي موجوداً في حياتنا اليومية حتى لو لم ندرك ذلك بشكلٍ محسوسٍ ومباشر، ومع تزايد انتشار التطبيقات والتقنيات المعتمدة على الذكاء الاصطناعي سيكون من الجيد أن نميز بين المفاهيم المختلفة التي تسبح بفلك هذا المصطلح، وبالتحديد، مفاهيم تعلم الآلة والشبكات العصبونية. حيث أن السؤال “هل الذكاء الصنعي وتعلم الآلة سيان؟” كان من أكثر الأسئلة التي طُرحت على محرك بحث جوجل في عام 2020.

هدف هذا المقال هو سرد عرض توضيحي سريع لمفاهيم الذكاء الاصطناعي، تعلم الآلة والشبكات العصبونية، وبماذا تشترك وأبرز اختلافاتها.

1. ما هو الذكاء الاصطناعي Artificial Intelligence

هو علم يهتم بإعطاء الحواسيب القدرة على حل معضلات لم تواجهها من قبل، وهذا ما كان حتى وقت قريب ومازال في كثير من المجالات حكرا على العقل البشري. بمعنى آخر، الذكاء الاصطناعي يُشير إلى قدرة الحواسيب على “تعلم” كيفية حل المشاكل، بدلاً من الاعتماد على الخوارزميات البرمجية التي تحدد آلية معينة لحل مشكلة محددة، وفي حال اختلاف المشكلة فإن هذه الخوارزمية لن تكون قابلة للاستخدام.

2. نظرة أعمق في الذكاء الاصطناعي

تم استخدام مصطلح الذكاء الاصطناعي لأول مرة في مؤتمر علوم الحاسوب عام 1956 في جامعة دارتموث Dartmouth في الولايات المتحدة. حيث كان محاولة لنمذجة طريقة عمل الدماغ البشري وبناءً عليه تطوير الحواسيب الموجودة في ذلك الوقت. اُعتقد في البداية أنها ليست بالمهمة الصعبة.

جُمعت الكثير من الأفكار الفذة على مدى ثمان أسابيع التي ستُساهم فيما بعد بتأسيس هذا العلم، إلا أن الباحثين آنذاك توصلوا إلى نتيجةٍ مخيبة وهي أنه من الصعب جداً نمذجة أو محاكاة طريقة عمل الدماغ البشري باستخدام الوسائل البرمجية المتاحة في ذلك الوقت. أما النتيجة الأخرى التي تم الإجماع عليها هو أن أساس أي آلة ذكية هو القدرة على التعلم والتفاعل مع المتغيرات، أضف إلى ذلك الإبداع. حتى الآن وبالرغم من الانتشار الواسع للذكاء الصنعي إلا أنه مازال بعيدا عن أن يكون نمذجة مثالية للدماغ.

3. وجوه الذكاء الاصطناعي

الذكاء الصنعي المحدود أو (الذكاء الضعيف) ANI(Artificial Narrow Intelligence)

“الذكاء القوي يهدف لبناء إنسان صنعي بكل ما لدية من قدرات عقلية متضمنا بذلك الوعي. الذكاء الضعيف من جهة أخرى يحاول امتلاك قدرات الدماغ البشري على تحليل وفهم المعلومات”

الفيلسوف الأميركي جون سيرل (John Searle)

الذكاء الضعيف يمكن أن يتفوق على الإنسان في مجال معين قد طُور من أجله لكنه لن يتمكن من ذلك في أي مجال آخر. يعتبر البعض حاسوب شركة آي بي إم IBM الشهير ديب بلو Deep Blue أحد الأمثلة المبكرة على تطبيقات الذكاء الضعيف، حيث تمكن الحاسوب من التفوق على بطل الشطرنج الشهير الروسي جاري كاسباروف Gary Kasparov عام 1996. الحاسوب كان قادرا على تقييم 200 مليون توزيعة لرقع الشطرنج خلال ثانية واحدة.

حاسوب ديب بلو. المصدر: ويكيبيديا

من أشهر الأمثلة الأخرى هو برنامج ألفا جو AlphaGo، الذي تمكن من التفوق على لاعبين محترفين في لعبة جو Go، التي تُعتبر أصعب وأعقد بكثير من الشطرنج بسبب العدد الفلكيّ لاحتمالات النقلات التي يُمكن للاعب أن يُجريها، وهذا ما يجعل من المستحيل الاعتماد على نفس خوارزمية ديب بلو التي تعتمد على حساب الاحتمالات الممكنة واختيار الأفضل منها. تم بناء ألفا جو اعتماداً على الشبكات العصبونية والتعلم العميق Deep Learning بحيث يقوم البرنامج بتعليم نفسه استراتيجيات الفوز ويُحسن من أدائه عبر تكرار المباريات.

إن الذكاء الضيق منتشر إلى حد كبير اليوم وكل منا يستفيد منه بشكل أو بآخر مثال على ذلك خوارزميات اقتراح المحتوى على مواقع التواصل الإجتماعي. ومن الجدير بالذكر أن شركات عملاقة مثل جوجل وأمازون تستثمر الكثير من الأموال في تطوير هذا المجال، أضف إلى ذلك أنها تتسابق إلى شراء أي شركة ناشئة Start up تعمل على تطوير هذا المجال كما حدث عندما اشترت جوجل شركة ديب مايند DeepMind التي طورت برنامج ألفا جو.

الذكاء العام أو (الذكاء القوي) ANI(Artificial General Intelligence)

وهو الهدف الذي يسعى إليه الذكاء الاصطناعي اليوم، أي القدرة على التعلم دون أي تدخلٍ بشري، واتخاذ القرارات اعتماداً فقط على الخبرة المكتسبة. ستكون الآلة مع هذا الذكاء ذات قدرات فكرية عالية قادرة على حل معضلات منطقية معقدة فضلا عن اكتسابها للمشاعر.

هنا يكمن السؤال كيف يمكن بناء آلة مع هكذا ذكاء؟ تستطيع الآلات في الوقت الحالي إجراء محادثة مع البشر، بحيث سيكون من شبه المستحيل معرفة أن من نتلكم معه هو آلة، وسبق لجوجل أن أجرت عرضاً لقدرات مساعدها الرقميّ الذكيّ في إجراء محادثات وفهم سياق الحديث والتكلم بأسلوبٍ بشريّ. ولكن ماذا عن المشاعر، هل امتلاك مثل هكذا قدرات يعني أن الآلة “تمتلك” مشاعر؟

الذكاء الفائق ASI (Artificial Super Intelligence)

في الحقيقة هذا ما يتخيله الكثيرون عند الحديث عن الذكاء الاصطناعي؛ آلة خارقة تتفوق على الإنسان من ناحية الذكاء، المعرفة والإبداع وتسعى إما إلى خير الجنس البشري أو هلاكه، وهو ما يُعرف أيضاً باسم الذكاء الاصطناعي العام أو العالمي General-Purpose Artificial Intelligence، وببساطة فإنه يشير إلى آلة تمتلك وعياً لوجودها وقدرةً كاملة على اتخاذ القرارات والتفاعل مع محيطها. سأضطر هنا لتخييب أملك عزيزي القارئ، فإن الباحثين لايحلمون حتى بهكذا ذكاء في الوقت الحاضر، وعلى الرّغم من التحذيرات التي تصدر عن العديد من الشخصيات حول مخاطر الذكاء الاصطناعي، إلا أنه من المنطق القول أننا لازلنا بعيدين جداً عن الذكاء الاصطناعي الفائق.

أهم مجالات الذكاء الصنعي التي يهتم بها الخبراء حاليا هي كما يلي

  • منطق الآلة Machine Reasoning: حيث تتمكن الآلة باستخدام البيانات المقدمة لها وبمساعدة التحليل والاستنتاج من إعطاء نتائج وتفسيرات بناءً على تلك البيانات المتوفرة أو عرض النتائج بطريقة مفهومة أكثر للبشر.
  • الروبوتات: يهتم هذا المجال بتطوير، بناء والتحكم بالروبوتات ابتداءً من آلة شفط الغبار المنزلية إلى الإنسان الآلي Android.
  • تعلم الآلة: مجموعة الخوارزميات والنماذج التي تمكن الآلة من التعلم من البيانات وإتمام مهمة معينة.
العلاقة بين الذكاء الاصطناعي، تعلم الآلة، الشبكات العصبونية والتعلم العميق

4. ما هو تعلم الآلة Machine Learning

هو أحد مجالات الذكاء الاصطناعي، أو لنقل بشكلٍ أكثر دقة، أحد آليات تنفيذ مبادئ ومفاهيم الذكاء الاصطناعي، وهو أكثرها انتشاراً واستخداماً في الوقت الحالي. يهتم مجال تعلم الآلة على إعطاء الحواسيب القدرة على التعلم من البيانات وبناء خبرات بالاعتماد عليها يمكن استخدامها في حل مشكل مشابهة.

5. كيف تتعلم الآلة

كما ذكرنا سابقاً إن تعلم الآلة هو أحد أشكال الذكاء الاصطناعي ويهتم بخوارزميات تمكن الآلة من التعلم من المعطيات واستخدامها لأداء مهمة محددة أو التنبؤ بأمر ما. هناك ثلاث عناصر أساسية لتعلم الآلة:

  • البيانات
  • الخواص
  • الخوارزميات

البيانات: تتعلم الآلة وتبني خبرتها من البيانات المقدمة لها. هذه البيانات ممكن أن تأخذ أشكالاً عدة، فقد تكون أرقاماً، ملفات صوتية أو صوراً. من الجدير بالذكر أن جمع البيانات وتهيئتها للآلة ليست بالمهمة السهلة أبداً، فهذه المرحلة تتطلب الكثير من الجهد والوقت لتوفير بيانات مناسبة للتعلم خالية من الأخطاء.

الخواص: أحد العوامل المهمة والمؤثرة جداً في جودة عملية التعلم، وهي تُنبه الآلة إلى النقاط المهمة في البيانات وعلى أساسها سيبنى التنبؤ. مثال: إذا أردنا تقييم عقار فإن الخواص التي يجب الانتباه لها تتضمن مساحة العقار وموقعه. هذه هي الخواص التي ستستخدمها الآلة أيضا للتتعلم.

الخوارزميات: وهي تحدد طريقة التعلم. إن اختيار الخوارزمية المناسبة للمهمة مهم جداً فإنه سيؤثر على المدة المستغرقة للتعلم ودقة النتيجة النهائية. ومن الجدير بالذكر أن دمج خورزميات متعددة معاً يكون في كثير من الحالات هو الخيار الأمثل لكن فعل ذلك بطريقة بناءة يحتاج خبرة كبيرة من المبرمج.

6. ما هي الشبكات العصبونية Neural Networks

وهي أحد طرق تعلم الآلة. تحاول محاكاة طريقة عمل الدماغ البشري المكون من عصبونات تصل بينها محاور يمكن تفعيلها عن طريق سيالات عصبية تنتقل عبر المحاور. أحد أسباب الانتشار الكبير لهذه الطريقة هو عدم الحاجة لاختيار الخواص كما في الخوارزميات الأخرى لتعلم الآلة.

تتكون الشبكة العصبونية من عصبونات مرتبة في طبقات. الطبقة الأولى هي طبقة الدخل والطبقة الأخيرة هي الخرج و هناك طبقة واحدة على الأقل بينهما تسمى الطبقة الخفية. إختيار عدد الطبقات المخفية والعصبونات مهم جداً لتأثيره الكبير على دقة النتائج.

كل وصلة بين عصبونين لها وزن محدد وكل عصبون له رقم يسمى الميل. كل عصبون يمتلك أيضاً تابع تفعيل هذا التابع يقرر تفعيل العصبون أو عدمه بناءً على دخل العصبون. دخل العصبون يأتي من الوصلات المتجهة نحوه وتكون الوصلة مفعلة إذا كان العصبون الخارجة منه مفعل.

إن هناك الكثير من الأوزان والميول التي يجب حسابها من أجل ضمان نتائج دقيقة. لذلك فإن التعلم العميق يحتاج كمية هائلة من البيانات ليتعلم منها.

7. الذكاء الاصطناعي والدماغ البشري

لو أردنا مقارنة الذكاء الاصطناعي بطريقة عمل الدماغ البشري فهي كالتالي: يولد الطفل مع قدرة كبيرة على التعلم ولكن دون خبرة. يبدأ باستكشاف العالم من حوله مستخدماً حواسه كصلة وصل بين الدماغ والبيئة المحيطة. من الأحداث والوقائع التي يعايشها ضمن مجرى حياته يشكل تصوره الخاص عن العالم وهو ما يعطيه الخبرة والتي سيستخدمها فيما بعد لاتخاذ قرارات هامة.

ذكاء البشر يكمن في القدرة على حل مشكلات يواجهونها لأول مرة وهو مايهدف له الذكاء الاصطناعي، أي توفير وسيلة تتيح للآلات والحواسيب التعلم من الخبرات وتحسين أدائها وكفائتها في إنجاز المهمات المختلفة في كل مرة تتعلم شيء جديد. على صعيد آخر، وكما أن البيئة والتجارب السابقة تؤثران بشكل كبير على تطور الدماغ البشري، فإن هذه الأمور مهمة أيضاً للآلة، أي إعطائها القدرة على فهم محيطها وبيئتها والتفاعل معها (ربما لهذا السبب يرتبط الذكاء الاصطناعي بالنسبة لنا دوماً بالروبوتات

ومن الممكن المقارنة بين الدماغ والآلة من ناحية استهلاك الطاقة؛ فبينما يستهلك الدماغ البشري وسطياً حوالي 12 واط في حالة الراحة و 40 واط في الذروة. بالمقارنة، استهلك حاسوب ديب بلو أكثر من 1000 واط لكي يتفوق على بطل العالم في الشطرنج

8. خلاصة

  • لم يعد الذكاء الاصطناعي تقنية مستقبلية نقرأ عنها في قصص الخيال العلمي، بل أصبح واقعاً نعايشه عبر العديد من التطبيقات والأجهزة المحطية بنا
  • الذكاء الاصطناعي مفهوم عام وشامل يهدف لتحسين ذكاء الآلة وقدرتها على حل مشكلات لم تواجهها من قبل.
  • تعلم الآلة هو أحد أشكال الذكاء الاصطناعي القائم على التعلم بالخبرة
  • الشبكات العصبونية هي إحدى طرق تعلم الآلة القائمة على محاكاة عمل العصبونات في الدماغ البشري وكيفية معالجتها للمعلومات والبيانات
  • لا يزال الذكاء الاصطناعي العام هدفاً بعيد المنال، أي قدرة الآلات على اكتساب وعي كامل واستقلالية في كيفية اتخاذها لقراراتها وتمكنها من فهم كل ما حولها بدون تدخل من البشر

9. مقالات للاطلاع

serokell.io
John_Searle
DeepMind
AlphaGo
thinking-hard-calories

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى