تعرفوا على الحساسات Sensors
تُعتبر الحساسات جزءاً أساسياً من نظم استحصال البيانات التي تتيح للحواسيب والأجهزة الذكية فهم وإدراك البيئة المحيطة بها لتنفيذ مهام معقدة بشكلٍ مشابه لكيفية تحسس البشر للبيئة من حولهم
1. قبل الحساسات: نظم استحصال البيانات Data Acquisition Systems
بالنسبة لنا كبشر لا يبدو أن هنالك مشكلة في الحديث عن أمورٍ مثل شدة ارتفاع الصوت، أو درجة حرارة الغرفة التي نجلس بها أو التعرف على تفاصيل الوجوه واللوحات أو حتى التعرف على مدى قساوة مادة ما. نحن نعلم ذلك لأننا نتملك الآليات التي تساعدنا على ذلك: نحن نمتلك القدرة على النظر واللمس والسمع والتذوق والشم. هذه هي “الحواس” التي نعرفها.
نظام “التحسس Sensing” الخاص بنا يبدأ من “أجهزة التحسس”: لنأخذ الأذن كمثال؛ نحن نمتلك نظاماً معقداً قادر على التقاط ترددات الصوت (والتي هي عبارة عن أمواج ميكانيكية) ومن ثم نقل هذه الذبذبات على شكل إشاراتٍ إلى الدماغ الذي يتولى تفسيرها، وبناءً على ذلك نستطيع تحديد ماهية الصوت الذي نسمعه: حديث بشر، حركة السيارات، هطول المطر، فتح الباب، النقر على لوحة مفاتيح الحاسوب…الخ.
هذا المفهوم نفسه نجده أيضاً في الأنظمة الحاسوبية والرقمية: تستطيع الآلة امتلاك القدرة على “التحسس” عبر تزويدها بأجهزة “تحسس” ضمن نظامٍ يُعرف بنظام استحصال البيانات Data Acquisition System. الفكرة مشابهة تماماً لآلية عمل الحواس البشرية: دماغ الآلة (المعالج) يتلقى بياناتٍ من أجهزة التحسس ومن ثم يقوم بمعالجتها وتفسيرها. هكذا تستطيع الروبوتات مثلاً التفاعل مع الوسط المحيط بها.
ضمن نظام استحصال البيانات الخاص بالأنظمة الحاسوبية الرقمية، تمر الإشارة المراد التقاطها عبر عدة مراحل قبل أن يتم تفسيرها وتحويلها للشكل الذي يفهمه المعالج الحاسوبيّ: قد تكون الإشارة هي درجة حرارة الغرفة، أو درجة الرطوبة، أو شدة الضوء، أو سرعة وتسارع حركتنا (التي تستطيع الهواتف الذكية والساعات الذكية التعرف عليها). مهمة أنظمة استحصال البيانات هي التقاط هذه الإشارات وتهيئتها وتحويلها للشكل الذي يستطيع المعالج التعامل معه، أي أرقام مكتوبة بالترميز الثنائي (سلسلة من الأصفار والواحدات).
بشكلٍ عام، يمكن النظر إلى نظام استحصال البيانات على أنه يتكون من العناصر التالية:
- الحسّاسات
- تكييف الإشارة
- المحول التناظري إلى الرقمي (ADC)
- نوع من الحواسيب مع برنامج استحصال بيانات لتسجيل الإشارات وتحليلها.
2. ما هو الحساس؟
لن نتطرق هنا إلى الجوانب المتعلقة بكيفية معالجة الإشارة وتحويلها من الشكل التناظريّ إلى شكلها الرقمي، لأن ما يعنينا هو المرحلة الأولى ومدخل نظام استحصال البيانات؛ أي الحساس (أو المستشعر كما يرد ببعض المراجع). من المخطط السابق ومن التوضيح المتعلق بنظام التحسس لدينا كبشر، نستطيع أن نفهم عمل الحساس كجهاز إلكتروني على أنه:
أداة تستخدم لاكتشاف التغيير الحاصل في أحد محددات البيئة من حولنا، بحيث يتم عبر الحساس تحويل ظاهرة فيزيائية معينة إلى إشارةٍ كهربائية (قد تكون جهد أو تيار).
- اقرأوا أيضاً: أساسيات الكهرباء والإلكترونيات – الجهد الكهربائي
- اقرأوا أيضاً: أساسيات الكهرباء والإلكترونيات – التيار الكهربائي
بهذه الصورة، يقوم الحساس بنقل الظاهرة التي تحدث من حولنا من شكلها “الطبيعيّ” إلى شكلٍ تستطيع الأنظمة الحاسوبية والرقمية التعامل معه وفهمه. تتولى العناصر الأخرى في نظام استحصال البيانات تكييف خرج الحساس وتوليد ترميز رقمي متناسب معه يستطيع المعالج فهمه.
3. الحساس والمبدل Sensor vs Transducer
يجب هنا التفريق بين الحساس Sensor والمبدل Transducer؛ مهمة الحساس هي التقاط ظاهرة فيزيائية معينة وتحويلها إلى شكلٍ قابل للقراءة والفهم من قبلنا كبشر أو من قبل المعالج الرّقمي في نظم استحصال البيانات. المبدل، على صعيدٍ آخر، هو جهاز يقوم بتبديل الطاقة من شكلٍ إلى آخر، وهو يتضمن داخله حساس يستطيع التقاط الطاقة بشكلها الأصليّ ومن ثم تتولى الوحدات الإلكترونية الأخرى ضمن المبدل عملية تغيير الطاقة إلى نمطٍ آخر. أشهر مثال على ذلك هو الميكروفون، الذي يحول الطاقة الصوتية إلى إشارة كهربائية يمكن تضخيمها ونقلها وتسجيلها وإعادة إنتاجها. يوجد حساس في الميكروفون يستطيع التقاط الأمواج الميكانيكية الناتجة عن الصوت ومن ثم تحويلها إلى إشارةٍ كهربائية يتم معالجتها وتضخيمها ومن ثم يتم تبديل الإشارة الكهربائية المضخمة مرة أخرى إلى إشارةٍ صوتية (أي أمواج ميكانيكية) يتم بثها عبر المبكرات الصوتية.
يجب هنا الإشارة إلى نقطة هامة: نستخدم في الكثير من الأحيان مصطلح “الحساس” على أجهزة هي بالحقيقة “مبدل”. من الأمثلة الشهيرة على ذلك المقاومة الحرارة Thermistor التي تمثل عنصر إلكتروني تتغير قيمة مقاومته الأومية مع تبدل درجة الحرارة، بهذه الصورة، تقوم المقاومة الحرارية بتبديل الطاقة الحرارية في البيئة من حولها إلى شكلٍ آخر هو طاقة كهربائية قيمتها تتناسب مع قيمة الطاقة الحرارية. بالرّغم من ذلك، يتم استخدام مصطلح “حساس” حرارة على المقاومة الحرارية، وفي حين أنه ليس خاطئ بالمطلق، ولكنه ليس دقيق بالكامل.
4. الحساس والمقاييس الفيزيائية
على صعيدٍ آخر، يجب أيضاً التمييز بين الحساسات الرقمية (أو الإلكترونية) والمقاييس الفيزيائية التي تستطيع أيضاً التقاط تغيرٍ في أحد محددات البيئة من حولنا وعرضها لنا. على سبيل المثال، مقياس الحرارة الزئبقي الشائع هو نوع قديم جدًا من الحسّاسات المستخدمة لقياس درجة الحرارة. باستخدام الزئبق الملون في أنبوب مغلق يمكن قياس درجة حرارة الغرفة وذلك اعتماداً على حقيقة أن هذه المادة الكيميائية لها تفاعل خطي وثابت للتغيرات في درجة الحرارة، بحيث يرتفع الزئبق في الأنبوب الزجاجيّ بمقدار 1 سم كلما ارتفعت درجة الحرارة في الغرفة بمقدار درجة مئوية واحدة. من خلال تدريج الأنبوب بقيم درجة الحرارة، يمكننا إلقاء نظرة على مقياس الحرارة ومعرفة درجة الحرارة. الدقة محدودة إلى حد ما بسبب الحجم المرئي لتدريجات المقياس، لكنها كافية للغرض المقصود منها.
خرج المقياس هنا هو مرئي، وذلك بخلاف الحساسات الرقمية التي ينتج عنها إشارة كهربائية. هذا النوع من مقاييس الحرارة، رغم أنه مفيد في الفرن، أو خارج نافذة المطبخ، إلا أنه ليس مفيدًا بشكل خاص لتطبيقات استحصال البيانات بسبب عدم امتلاكه لخرج يمكن تحويله لشكلٍ رقميّ. لذلك، تم اختراع حسّاسات درجة الحرارة لقياس درجة الحرارة والظواهر الفيزيائية الأخرى ولتوفير مخرجات يمكننا عرضها وتخزينها وتحليلها.
5. خصائص الحساسات ومتطلبات العمل معها
عند تصميم نظام استحصال بيانات معين (لنقل نظام مراقبة درجة الحرارة المنزلية) فإننا سنحتاج لاستخدام حساس (أو أكثر). هذا يعني أنه يتوجب علينا معرفة العديد من الخصائص والمحددات المرتبطة بالحساس نفسه كي نكون قادرين على استخدامه على أمثل نحوٍ ممكن. على صعيدٍ آخر، قد يتواجد العديد من الحساسات التي تؤدي نفس المهمة ولنقل قياس درجة الحرارة. عبر معرفة خصائص هذه الحساسات وأدائها والتطبيق المراد استخدامها فيه نُصبح قادرين على اختيار الحساس الأمثل لهذا التطبيق.
بشكلٍ عام، وبغض النظر عن نوع الحساس ومجال الاستخدام، يجب أن تؤخذ الخصائص والمحددات التالية دوماً بعين الاعتبار عند التعامل مع الحساسات:
- نوع الظاهرة Type of Phenomena: أي طبيعة الظاهرة التي نستخدم الحساس من أجل التقاطها، واعتماداً على ذلك نقول أن هنالك حساس “حراري” أو حساس “ضغط” أو حساس “ضوئي” أو حساس “حركة” أو حساس “رطوبة”.
- مبدأ التشغيل Operating Principle: مبدأ تشغيل الحسّاس، أي كيفية توليد إشارة كهربائية على خرج الحساس اعتماداً على الظاهرة المؤثرة به. بالعودة لمثال المقاومة الحرارية، نعلم أن المقاومات الحرارية من نوع NTC تستجيب لزيادة درجة الحرارة بشكلٍ عكسيّ، بمعنى أنه عند تزايد درجة الحرارة ستتناقص قيمة المقاومة الأومية لهذه الأجهزة.
- مجال العمل Operation Range: أي مجال قيم الظاهرة الفيزيائية التي يستطيع الحساس التقاطها. كمثال، يمكن استخدام حساس الحرارة من نوع LM35 لالتقاط درجات الحرارة في المجال بين -55 وحتى 150 درجة مئوية.
- الدقة Resolution: هي درجة الدقة بين القياس الفعلي والقيمة الحقيقية. يتم التعبير عن الدقة كنسبة مئوية من كامل مجال الخرج.
- الحساسية Sensitivity: هي علاقة بين إشارة الدخل الفيزيائية والخرج الكهربائي للحساس. كمثال، يستطيع حساس الحرارة LM35 توليد جهد كهربائيّ قدره 10 ميللي فولت عندما تزيد درجة الحرارة بمقدار درجة مئوية واحدة.
- الاستقرار Stability: هو قدرة الحسّاس على إعطاء نفس الخرج عند تزويده بدخلٍ ثابت خلال فترة زمنية محددة.
- التكرار Repeatability: هو قدرة الحسّاس على إعطاء نفس الخرج لتطبيقات مختلفة بنفس قيمة الدخل.
- وقت الاستجابة Response-Time: هو سرعة الحصول على الخرج الكهربائيّ للحساس عند جصول تغيير تدريجي في الدخل.
- الخطية Linearity: يمكن تحديدها بمعرفة النسبة المئوية اللاخطية، حيث تُشير اللاخطية إلى مقدار انحراف منحني القياس الفعلي (الحقيقي) الناتج عن قراءات الحساس المستخدم عن منحني القياس المثالي (النظري).
- الصلابة: هي مقياس للمتانة عند استخدام الحسّاس في ظروف التشغيل القاسية.
- التباطؤ: يُعرَّف التباطؤ بأنه أقصى فرق في الخرج عند أي قيمة قابلة للقياس ضمن المجال المحدد للحسّاس عند الاقتراب من النقطة أولاً مع زيادة ثم تقليل معلمة الدخل. التباطؤ هو خاصية يمتلكها المبدل في عدم قدرته على تكرار وظيفته بأمانة عند استخدامه في الاتجاه المعاكس للعملية.
6. أنواع الحسّاسات
هناك العديد من أنواع الحسّاسات التي تم اختراعها لقياس الظاهرة الفيزيائية:
- المزدوجات الحرارية، مكشاف مقاومة درجة الحرارة RTD، المقاوم الحراري (الثرمستور): لقياس درجة الحرارة
- مقاييس الانفعال: لقياس الضغط على جسم ما ، أوقوة الشد أوالوزن
- خلايا التحميل: لقياس الوزن والحمل
- المحول التفاضلي خطي التغيير LVDT: لقياس الإزاحة في المسافة
- مقياس التسارع: لقياس الاهتزازات والصدمات
- محولات التيار: لقياس التيار المتناوب أو التيار المستمر
- محولات الجهد: لقياس الجهد العالي
- الحسّاسات الضوئية: تستخدم للكشف عن الضوء ونقل البيانات واستبدال الحسّاسات التقليدية
- حسّاسات الكاميرا: تستخدم لالتقاط صور ثنائية الأبعاد مفردة ومستمرة
- الحسّاسات الرقمية: تُستخدم في عمليات عد التشغيل / الإيقاف المنفصلة، والتشفير الخطي والدوراني ، وقياسات الموضع، وما إلى ذلك.
- حسّاسات تحديد المواقع (GPS): تُستخدم لالتقاط الموقع الطولي والخطي استنادًا إلى نظام تحديد المواقع العالمي GPS و نظام الملاحة بالأقمار الاصطناعية GLONASS وأنظمة تحديد المواقع عبر الأقمار الصناعية الأخرى. تتوفر حسّاسات تحديد المواقع مختلفة بدقة مختلفة.
اعتمادًا على نوع الحسّاس، يمكن أن يكون خرجه الكهربائي جهدًا أو تيارًا أو مقاومة أو سمة كهربائية أخرى تتغير بمرور الوقت. تتوفر بعض الحسّاسات بمخرجات رقمية ، حيث تُخرج سلسلة من البايت من البيانات المقاسة أو غير المقاسة. عادةً ما يتم توصيل إخراج هذه الحسّاسات التناظرية بإدخال مكيف الإشارة، والذي سنناقشه في القسم التالي.
7. ملخص
- الحساس هو أحد أجزاء أنظمة استحصال البيانات الرقمية التي تتيح للأنظمة الحاسوبية المختلفة إدراك وفهم البيئة المحيطة بها
- يقوم الحساس بتحويل ظاهرة فيزيائية معينة من شكلها الطبيعي إلى إشارةٍ كهربائية تستطيع أنظمة استحصال البيانات تكييفها وتحويلها لتمثيلٍ رقميّ قابل للمعالجة
- يختلف الحساس عن المبدل بكون المبدل جهاز تحويل طاقة من نمطٍ إلى آخر، بينما الحساس يستخدم لالتقاط ظاهرة معينة وتوليد إشارة كهربائية منها
- عند التعامل مع الحساسات يجب أخذ العديد من المحددات بعين الاعتبار، وأهمها مبدأ نوع الظاهرة المقاسة، مبدأ عمل الحساس، مجال العمل، الحساسية ودقة الحساس
بارك الله فيك
جزاكم الله خيرا
many thanks